تفسيرات مجنونة

21:41 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم حنفي*

كان يمكن أن يتم تجاهل ورقة «بول رومر» (حاصل على جائزة نوبل عام 2018) البحثية التي ظهرت عام 1986، والتي تناولت النمو عبر الانتشار من قبل الجميع ماعدا القلة الرياضية إذا كانت قد ظهرت منفردة، فالورقة البحثية الصغيرة التي استطاع من خلالها أن ينقلب على نفسه في عام 1988. والتي رفض فيها الانتشار لصالح التخصص، كانت أكثر غموضاً. فمن هذا الذي يهتم بأن عالم الصواريخ الشاب في روشيستر قد غير رأيه حول قناعة معينة في اتفاقية لوضع نموذج؟ ولكن الأثر الناجم عن محاضرات «لوكاس»، على أي حال، تمثل في جذب انتباه دائرة أكثر اتساعاً من الاقتصاديين إلى «رومر» وتسببت هذه الشهرة الحديثة في دعوته إلى تقديم ورقة بحثية لمؤتمر الاقتصاد الكلي الذي يعقده المكتب القومي للبحث الاقتصادي «National Bureau of Research» في اجتماعات تستغرق يومين في كامبريدج، ماساتشوستس، وذلك في شهر مارس 1987. كانت هناك أسئلة كبيرة في الصحف آنذاك وخصوصاً في الصحف المهتمة بالعواقب العملية لثورة ريجان: عن البطالة، وتقلبات سعر الصرف. وعلاقات الشمال والجنوب. ولكن في عام 1987 كان اللغز الشامل هو تباطؤ الإنتاجية في الولايات المتحدة. ترك «رومر» عالم التنظيم المباشر، واستعاض عن ذلك بتطبيق إطاره الخاص مستعيناً بالاقتصاد الرياضي للتعامل مع بعض البيانات الحديثة. وسمى ورقته البحثية «تفسيرات مجنونة لتباطؤ الإنتاجية» Crazy Explanations Of the Productivity Slowdown. 

بهذا العنوان اندفع رومر بقوة نحو مناقشة التقارب بين المعدلات المختلفة من النمو الاقتصادي بين الدول. قال رومر إن جميع الأفكار التي تبدو مقنعة ومقبولة حول التباطؤ تمت تجربتها وثبت تقصيرها. 

أثار «رومر» الجدل بأن التخلف في الإنتاجية قد ينشأ عن الأعداد الهائلة للمواليد في فترة ما بعد الحرب، ربما أدى العدد الهائل من البشر إلى حدوث تباطؤ في الاستثمارات الرأسمالية وبالتالي في سير التغيير التقني. ربما لو كانت الأوضاع هي أن هناك أعداداً أقل نسبياً من الأفراد متاحة للعمل لكان هناك ما دفع أصحاب الأعمال إلى اختراع آلات حديثة وبالتالي تحفيز مزيد من الاستثمارات الإنتاجية. كان احتمال الربط بين تعداد السكان ومعدل الاختراعات الحديثة أمراً جديداً بالكاد. 

كتب «رومر» أن ندرة العمالة كانت التفسير النمطي للاختلاف في الإنتاجية بين الولايات المتحدة وبريطانيا في خلال القرن التاسع عشر. فقد كان هناك اعتقاد بأن وفرة الأراضي في الولايات المتحدة ستؤدي إلى رفع معدلات الأجور في الولايات المتحدة مقارنة بالأجور في بريطانيا. حيث إن ارتفاع معدلات الأجور سيزيد من الطلب على الاختراعات الموفرة للعمالة. وقد أراد «رومر» أن يثبت أن جميع أنواع الاختيارات التي تتم على صعيد القطاع العام أو الخاص - كل شيء بداية من السياسات التعليمية والأنظمة التجارية ووصولاً إلى حقوق الملكية الفكرية - تؤثر بشكل ملحوظ في معدلات النمو القومي. 

ولكن بداخل إطار نموذج للنمو الخارجي، فإنه لا يمكن تناول أثر وجود فائض في العمالة في التغيير التكنولوجي. وأياً ما كان يطرأ على نمو السكان، أو في معدل تراكم رأس المال، فإن معدل زيادة المعرفة الحديثة لن يتأثر، طالما أنه خارجي. وتحدده قوى خارجة عن النموذج. وبما أن الإنتاجية قد اعتمدت على المعرفة الجديدة أكثر من أي شيء آخر، فإن المخرجات لن تزيد بشكل كبير بغض النظر عن مدى سرعة تراكم رأس المال. واختار «رومر» مثالاً ليوضح النقطة التي يتحدث عنها - وفي هذه الحالة اختار قصة عن حدوات الخيول. هنا، على الأقل، كان يمكن الوصول إلى البيانات حول الأفكار الحديثة في سوق راسخ. 

ولاحظ أن في دراسته لبراءات الاختراع، أثبت الاقتصادي «جاكوب شموكلر» «Jacob Schmookler» أن التحسينات على الحدوات القديمة قد وصلت إلى ذروتها في عام 1900 واستمرت إلى عام 1920، عندما بدأت السيارات في السيطرة على الطريق. وما الذي أدى إلى زيادة براءات الاختراع المرتبطة بالمسامير في القرن العشرين؟ يفترض أنه حجم السوق والعدد الهائل من المخترعين الذين عملوا على صنع تحسينات حديثة على عدد كبير من حدوات الخيل.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"