عادي
أعمال ناصعة بالضوء واللون

وجدانيات تسمو بالروح وتحتشد بالجمال

22:45 مساء
قراءة 3 دقائق
عمل للإسباني خوسيه جارسيا
مشاركة للكورية جي هي كيم
خوسيه

الشارقة: علاء الدين محمود

عندما قال العلامة النفري: «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة»، ربما لم يكن يعلم ذلك المحب المتبتل في محراب التقرب إلى الله تعالى، أن هنالك وسائل وأدوات وطرقاً أخرى غير الكلمة المنطوقة تعبر عن مشاعر الوجد وإرادة السير في طريق المحبة، والكثير من الأعمال المشاركة في مهرجان الفنون الإسلامية، حملت تلك الرغبة الملحة في ترجمة ما يعتري الوجدان وما يعتمل من مشاعر في ذات المبدع، وتريد أن تخرج في صورة تليق بالغاية والهدف، فكان أن عمل أكثر من فنان على وضع رؤية محتشدة بالجمال والمعنى.

تقدم الكورية جي هي كيم تجهيزاً فنياً من سلسلة فوانيس مكعّبة معلّقة من السقف في مصفوفة متشابكة معروضة على مستوى العين، بحيث يتكوّن الظلّ المحيط بكلّ فانوس على حدة، ويرمز الفانوس إلى الفرد، والتنوّع، والتعقيد، كما هي الحياة، وكلّ الفوانيس فريدة من نوعها، وتسطع بأنوارها الخاصّة، وعلى الرغم من التفاصيل الكثيرة، إلا أنّها تُشكّل في النهاية جسماً فنّيّاً واحداً.

وقصدت كيم من خلال المصابيح المتلألئة أن تضع المشاهد أمام حالة روحانية عامرة بالإشراق والرغبة التي تعتمل في داخله للوصول إلى محبة الله تعالى.

يسيطر على هي كيم المتخصصة في الطباعة والفن الرقمي، عدد من الأفكار الإيمانية منها مفهوم الوحي وموضوعاته، حيث يحمل عملها التجهيزي تفاصيل تلك الرحلة التي يقوم بها الإنسان من أجل فهم الوجود وما تحيط به من أشياء لا يعلمها، والعمل يقارب شعار «تدرجات»، عبر فكرة أن الإنسان نفسه يترقى في المعارف والسير في طريق الله عز وجل بغية الحقائق والبراهين، حينها تغمره الأنوار وينعم بالسكينة، فالعمل ينطوي على تفاصيل جمالية روحية تثير في الناظر مشاعر الطمأنينة والرضا، وتحرضه في ذات الوقت على التفكير المستمر في قدرة الله سبحانه وتعالى من خلال التأمل في مخلوقاته.

ونظراً للوضع غير المنتظم إلى حدّ ما لكلّ فانوس، فلن يكون أيّ من التصميمات الهندسية الكاملة منطقياً عند النظر إليه من زوايا مختلفة. وبالرغم من وجود العرض المتكامل أمامنا، إلا أن هناك عناصر متنافسة ومثيرة للارتباك من الفوانيس الأخرى، والتي تعمل على تعقيد الرؤية الصافية للتصميم.

وعندما يكون المشاهد في زاوية معيّنة على كلّ جانب من الجوانب الأربعة للقطعة، فإنه يقترب عبر التدرّج المستمرّ من الوصول إلى رؤية واضحة للكلّ، حيث يكون في وضع يسمح له بتقدير الجمال الكامل الذي يكشف عن نفسه أخيراً في السطوع والإضاءة.

تأمل

أما الفنان الإسباني خوسيه كارلوس جارسيا، فيأخذ المشاهد إلى رحلة مفعمة بالروحانيات من خلال عمل يعكس تأثر صاحبه بجماليّات الفنّ الإسلامي الذي برز إبّان الحكم الإسلامي في قرطبة، وخاصّة زخرفة الجلود «لوحات من الجلد المذهّب»، وهي واحدة من أهم الأعمال الفنية الغنيّة بالألوان والبريق والروحانية، وتتمثّل ميزتها الرئيسية في لمعانها ولونها وزخرفتها الغنيّة وصناعتها الحرفية.

وتتجلّى حالة الدهشة في تجهيزات جارسيا في أنها تعيد المشاهد إلى إبداعات الإسباني في فن زخرفة الجلود في الزمن الماضي، ويعكس هذا الفن تقدير الجمال بجميع أشكاله.

يبذل جارسيا، مجهوداً هائلاً في إنشاء اللوحة الجلدية الإسلامية المذهّبة، ويعكس تأملاً مستمراً طوال أيام العمل ولياليه، فالسطوع بين الأغصان وأوراق الشجر والمتاهة المتناسقة يقود نحو حالة روحانية مذهلة.

تدرجات

من جانبها تضع الفنانة الأمريكية آنا كبرفاسر، أمام المشاهد عملاً فنياً محتشداً بالروحانيات والألق والجمال، يعكس رحلة خروج البشرية من ظلمات الجهل إلى أنوار الإيمان، وهو الذي أطلقت عليه اسم «ترتيب الوحي»، وهو عبارة عن عرض مرئي يستوحي قصته من مراحل نزول القرآن الكريم التي امتدّت على مدى سنوات، إذ كان ينزل القرآن على النبي «صلى الله عليه وسلم» مفرقاً، فأخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور.

ويكمن جوهر عمل آنا في قدرته على تحويل القرآن الكريم، صوتيّاً، من اللغة العربيّة إلى تجهيز بصريّ وفق ترتيب نزول الوحي، وليس بالترتيب الذي جُمع فيه القرآن، وهذا العمل يستند إلى فكرة التدرّج في نزول السور والآيات القرآنية، ويتناغم مع فكرة وشعار المهرجان.

وتشير آنا إلى أن عرضها المرئي طويل، ومتعدّد الأجزاء، وصامت بمقاس «16 ملم»، ويعرض ترجمة سورة النجم في عرض مقاس «16 ملم»، بالإضافة إلى ذلك، يُظهر صندوق ضوئيّ تترجم فيه شرائط من فيلم مقاس «16 ملم» عبارة «بسم الله الرحمن الرحيم» في هياكل متعدّدة، تتوافق مع العديد من السور في القرآن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"