عطسة الجنرال وعطسة «أوميكرون»

00:40 صباحا
قراءة دقيقتين

يقول أنطون تشيخوف: «إن العطس فعل خطير، فكن حذراً جداً إذا أردت أن تعطس فأنت لا تدري إلى أي شيء قد تُفضي بك هذه العطسة». والعبارة وردت في قصة لتشيخوف محورها عطسة، لكنه لم يُعنون القصة بـ«العطسة»، وإنما اختار لها عنوان «موت موظف»، في إشارة إلى مصير الموظف البسيط بطل القصة، الذي تسببت عطسته بموته غير المتوقع.
انقضى نحو قرن ونصف القرن على هذه القصة التي كتبها تشيخوف وهو لما يزل طالباً في كلية الطب، ولشدّة تردده في نشرها، اختار أن تنشر باسم مستعار، لأنه ظنّ يومها أن القصة محاولة أولى في الكتابة، ولكن، وعلى خلاف ما ظنّ، ستصبح هذه واحدة من أشهر قصصه، التي ترجمت إلى مختلف لغات العالم، وما زالت تُقرأ على نطاق واسع، بل إنها حوّلت إلى عرض مسرحي أيضاً رغم صغر حجمها.
تتحدث القصة، كما يعلم من قرأها، عن موظف بسيط ذهب لمشاهدة عرض مسرحي، وفي غمرة انهماكه في متابعة العرض دهمته رغبة قوية في أن يعطس، فأبعد النظارة عن عينيه، ثم استدار في كرسيه وعطس، ليشعر بالحرج للصوت الناجم عن قوة العطس، والتفت حواليه، ليطمئن أن أحداً من الجالسين بالقرب منه لم ينزعج من عطسته، فوقعت عيناه على الشخص الجالس أمامه الذي صادف أنه جنرال كبير، وهو يمسح صلعته ورقبته بمنديل، متمتماً بكلمات غير مفهومة، وينظر إلى الخلف ليرى مَن الذي عطس، ما أوقع الموظف في حرج شديد، ومال نحوه مبدياً بكل ما أوتي من تهذيب اعتذاره عن عطسته، ولكن علامات الامتعاض ظلت بادية على وجه الجنرال.
في اليوم التالي قصد مكتب الجنرال الذي كان يغص بالمراجعين، وما إن جاء دوره حتى بادر الجنرال بالقول: «هل تتذكر سعادتك ما حدث البارحة، حين سعلت من دون قصد.. إنني جئت لأعتذر مرة أخرى»، ولحظتها صرخ الجنرال وهو يهتز من شدة الغضب: اخرج من هنا. ولم يعرف الموظف كيف عاد إلى بيته، وألقى بنفسه على السرير بكامل ملابسه، وحين وجدت زوجته أن نومه قد طال، حاولت إيقاظه، لتفزع بأنه قد مات.
عطسة الموظف البسيط لم تصب الجنرال بعدوى ولم تؤد إلى موته، لم ينله سوى بعض الرذاذ مسحه بمنديله. الذي مات كمداً وإحباطاً هو الموظف العاطس، لكن يحضرنا تحذير تشيخوف من العطسة، حين نقرأ لطبيب مختص في مجال المناعة، أن حامل متحور «أوميكرون» لفيروس «كورونا»، يمكنه نقل العدوى لحوالي مئة شخص عند العطس مرة واحدة. هو رذاذ أيضاً كالذي طال صلعة ورقبة الجنرال، ولكنه محمل بالفيروس سيئ الذكر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"