عادي

ليبـيا.. العـودة إلى نقطـة الصفـر

01:25 صباحا
قراءة 4 دقائق
2

د. محمد فراج أبو النور*

يوماً بعد يوم تتبدد الآمال في إمكانية إجراء الانتخابات الليبية في موعد قريب، وإذا كان انقضاء يوم 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي دون إجراء الاستحقاق الانتخابي قد أثبت الفشل الذريع ل«خريطة الطريق» التي أشرفت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني وليليامز على وضعها، فإن الحديث عن «خريطة طريق» جديدة تضعها لجنة تابعة لمجلس النواب هو أمر تعترضه عقبات كبيرة، ما لم تتم معالجة الأسباب التي أدت إلى فشل إجراء الانتخابات.

معروف أن فشل إجراء الانتخابات يرجع لأسباب سياسية وقانونية وأمنية، في مقدمتها رفض القوى السياسية في الغرب الليبي، وخاصة جماعة «الإخوان» والمجلس الأعلى للدولة بقيادة خالد المشري أحد أبرز زعماء الجماعة، إجراء الانتخابات قبل الاستفتاء على مشروع الدستور، الذي وضعته لجنة تهيمن عليها تلك القوى، والذي يواجه اعتراضات كثيرة من جانب البرلمان والقوى السياسية في «الشرق»، وأثارت فوضى أمنية عارمة في مناطق سيطرة الميليشيات القبلية والمناطقية، وهي فوضى كان من المستحيل في ظلها إجراء الانتخابات أو تنفيذ أحكام المحاكم بإدراج أسماء بعض المرشحين في «القائمة النهائية»، وخاصة حفتر وسيف الإسلام القذافي.. علماً بأن الولايات المتحدة، وأغلب الدول الغربية تعترض على القذافي الابن مبدئياً، بينما تعترض قوى دولية وإقليمية على حفتر، وبالتالي فإن الأحكام القضائية اصطدمت بواقع سياسي محلي ودولي يصعب تجاوزه.. وبالتالي فإن الضغوط الدولية من أجل إجراء الانتخابات في موعدها، ومعاقبة المعرقلين تراجعت بصورة واضحة في الأسابيع السابقة على 24 ديسمبر/ كانون الأول.

 وقائع ومواقف جديدة

وهكذا فقد أصبح واضحاً استحالة إجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده.. كما كان واضحاً أن الموعد الجديد، الذي اقترحه رئيس المفوضية العليا للانتخابات 24 يناير/كانون الثاني يستحيل الوفاء به.

 وهكذا بدأت ستيفاني جولات مكثفة من الاتصالات المكوكية بين السياسيين في «الشرق» و«الغرب» الليبيين، لحل المعضلات السياسية والقانونية والأمنية التي أدت إلى فشل الانتخابات.. ورعاية اتصالات مكثفة بين طرابلس وبنغازي.. وبين البرلمان والمجلس الرئاسي الأعلى، وأعلنت الدول الخمس الغربية الكبرى «أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا» تأييدها لبقاء حكومة الدبيبة حتى إجراء الانتخابات الجديدة.. وهو ما أدى إلى تراجع الأصوات الداعية لإقالة الحكومة والمجلس الرئاسي بقيادة «المنفي» في البرلمان، وكذلك عقد اجتماع بين رئيس أركان الجيش الوطني الفريق أول عبدالرازق الناظوري ونظيره في جيش طرابلس الفريق أول محمد الحداد، لبحث توحيد القوات المسلحة في الجانبين وهو الاجتماع الثاني خلال أقل من شهر.

 كما نظمت ويليامز اجتماعاً بين خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، وفوزي النويري النائب الأول لرئيس البرلمان، أعلن بعده المشري أنه أكد لويليامز موقفه المعروف بأن «الاستفتاء على الدستور هو السبيل الأمثل لإجراء انتخابات ناجحة».. بينما أعلن النويري تأكيده «أهمية دور مجلس النواب ولجنة خريطة الطريق في إجراء مشاورات مع مختلف الأطراف الليبية حول القضايا الرئيسية للملف الليبي» بينما كانت لجنة خريطة الطريق البرلمانية قد انتقلت إلى طرابلس، لإجراء محادثات مع كل من أعضاء المجلس الأعلى للدولة، ولجنة صياغة الدستور حول قضايا خريطة الطريق، بما يشير بوضوح إلى تغيير جوهري في موقف البرلمان تجاه قضية الاستفتاء على الدستور، وهي القضية التي كانت «خيرطة ويليامز» قد تجاوزتها.

 وأشارت التقارير الإعلامية إلى أن اللجنة البرلمانية ل«خريطة الطريق» قد اجتمعت برئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح، وطلبت ب«موافاتها بجدول زمني للعملية الانتخابية بعد إعداد دستور جديد يتم الاستفتاء عليه».. وهو ما يؤكد التغيير الجوهري في موقف البرلمان تجاه أولوية الدستور على إجراء الانتخابات، أي الموافقة على شروط الغرب في هذا الصدد، ومن ثم إلغاء القانونيين الانتخابيين للرئاسة والبرلمان، اللذين كان البرلمان قد وضعهما ك«قاعدة دستورية».

 ومعروف أن هناك خلافات واسعة بين الطرفين حول العديد من القضايا الدستورية، وخاصة فيما يتصل بصلاحيات البرلمان والحكومة من جهة، ورئيس الدولة من جهة أخرى؛ حيث يتمسك المشري ورفاقه بأن تكون صلاحيات الرئيس هامشية، وأن تكون الصلاحيات السيادية والأساسية في يد البرلمان والحكومة، وهو عكس ما يدعو إليه البرلمان الحالي والسياسيون في بنغازي.

 وبدهي أن المفاوضات حول مثل هذه القضايا الأساسية تستغرق وقتاً طويلاً، ومن ثم تحتاج إلى وقت لصياغتها، ومن ثم الاستفتاء على الدستور، وبعد ذلك يكون المنطقي هو إجراء انتخابات برلمانية أولاً، ليقوم البرلمان الجديد بوضع قوانين للانتخابات الرئاسية، أو انتخاب الرئيس من جانب البرلمان.

 وباختصار فإن موافقة البرلمان الوطني «بنغازي» على مبدأ «الدستور أولاً» يعني تأجيل الانتخابات إلى موعد غير معروف، واستمرار أوضاع الانقسام الحالية، وكذلك استمرار حكومة الدبيبة على الأرجح ما دام المجلس الأعلى راضياً عنها، وهو ما يشير إلى الانسجام المعروف بين كل من المشري والدبيبة؛ وذلك بغض النظر عن قضايا الفساد وإهدار المال العام التي تتفجر كل يوم، وعن رفض الحكومة إخضاع الإنفاق للرقابة البرلمانية، وسحب النواب للثقة منها، وقد عاد الدبيبة بالفعل لممارسة مهامه الحكومية، ومن المقرر أن يعود عقيلة صالح لممارسة مهامه يوم 2020/1/17 وهو ما يؤكد أن الانتخابات لن تكون قريبة على الإطلاق.

 ويعني كل ما ذكرناه أن الأوضاع في ليبيا تعود إلى ما كانت عليه قبل الإعلان عن «خريطة ستيفاني» فبراير/شباط 2021.. الأمر الذي يعني إحباط آمال الشعب الليبي في إجراء الانتخابات وتأسيس شرعية جديدة، وأن كل القضايا ستكون محلاً للتفاوض من جديد.

وهناك مخاوف من استمرار مراوحة الأزمة الليبية في مكانها لسنوات مقبلة، بغض النظر عن تأكيد قرب إجراء الانتخابات، بما ينطوي عليه هذا الوضع من إمكانية تجديد الصراعات المسلحة، خاصة وأن انفلات الميليشيات المسلحة وعربدتها في طرابلس ومدن الغرب لا يزالان مستمرين.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"