عادي

عذب الكلام

23:09 مساء
قراءة 3 دقائق
1701

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

الاستطرادُ: أنْ يخرجَ المتكلّمُ منَ الغَرضِ الذي هو فيهِ إلى غَرضٍ آخرَ لمناسبةٍ بينهما، ثمّ يرجعُ، فينتقلُ إلى إتمامِ الكلامِ الأول؛ كقولِ السّموءل:

وإِنَّا لَقَوْمٌ لا نَرَى القَتْلَ سُبَّةً

إِذا ما رَأَتْهُ عامِرٌ وَسَلُولُ

يُقَرِّبُ حُبُّ المَوْتِ آجالَنا لَنا

وتَكْرَهُهُ آجالُهُمْ فتَطُولُ

فسياقُ القصيدةِ الفخرُ بقومه، وانتقلَ منه إلى هَجْو قبيلتي «عامِر وسَلول»، ثمّ عادَ إلى مقامه الأول وهو الفخرُ بقومه. وكقول عمر اليافي:

لنا نُفوسٌ لِنَيْلِ المَجْدِ عاشِقةٌ

وجَوْهَرُ المَجْدِ عَنّا غَيْرُ مُنْتَقلِ

لا تَغْفَلُ النّفْسُ عَنْ تَحْصيلهِ أبداً

فَلَوْ تَسلَّتْ أسَلْناها على الأسَلِ

ونحنُ والمَجْدُ إنْ شبَّهتَ إلْفتَنا

كالنَّومِ لَيْسَ له مأوىً سِوى المُقلِ

فبعدَ فخرهِ بالمجد، واستعدادِه لخوضِ المعاركِ من أجلهِ، عادَ ليقولَ إنّه يسكنُ في مآقي أعينهم.

دُرر النّظم والنّثر

أيا عَيْنُ بَكّي

ليلى الأخليلية ترثي توبة الحميري (من الطويل)

أيا عَيْنُ بَكّي تَوْبَةَ بن حُمَيِّرِ

بسَحٍّ كَفَيْضِ الجَدْوَلِ المُتَفَجّرِ

لِتَبْكِ عَلَيْهِ مِنْ خَفَاجَةٍ نِسْوَةٌ

بماءِ شُؤُونِ العَبْرَةِ المُتَحَدِّرِ

سَمِعْنَ بِهَيْجا أزهَقَتْ فَذَكَرْنَهُ

ولا يَبْعَثُ الأَحْزانَ مِثْلُ التّذَكُّرِ

كأنَّ فَتى الفِتْيانِ تَوْبَةَ لَمْ يَسِرْ

بِنَجْدٍ ولَمْ يَطْلُعْ مَعَ المُتَغَوِّرِ

ولَمْ يَرِدِ الماءَ السِّدامَ إذا بَدا

سَنا الصُّبْح في بادِي الجَواشي مُوَّرِ

ولَمْ يَعْلُ بالجُرْدِ الجِيادِ يَقُودُها

بسُرَّةَ بَيْنَ الأَشْمَساتِ فأَيْصُرِ

وصَحْراءَ مَوْماةٍ يَحارُ بها القَطا

قَطَعْتَ عَلى هَوْلِ الجِنانِ بِمِنْسَرِ

يَقُودُونَ قُبّاً كالسَّراحِينِ لاحَها

سُراهُمْ وسَيْرُ الرّاكِبِ المُتَهَجِّرِ

فَلَمَّا بَدَتْ أَرْضُ العَدُوِّ سَقَيْتَها

مُجاجَ بَقِيّاتِ المَزادِ المُقَيَّرِ

مُمَرٍّ كَكَرِّ الأنْدَرِيّ مُثابِرٍ

إذا ما وَنَيْنَ مُهَلِبِ الشَدِّ مُحْضِرِ

فَيا تَوْبَ للهَيْجا ويا تَوْبَ للنَّدى

ويا تَوْبَ لِلْمُسْتَنْبحِ المُتَنَوِّرِ

أَلا رُبَّ مَكْرُوبٍ أَجَبْتَ ونائِلٍ

بَذَلْتَ ومَعْرُوفٍ لَدَيْكَ ومُنْكَرِ

فأحْرَزْتَ مِنْهُ ما أَرَدْتَ بقُدْرَةٍ

وسَطْوَةِ جبّارٍ وإقدامِ قَسْوَرِ

من أسرار العربية

في تَفْصِيلِ الغِنَى وتَرْتِيبِهِ: الكَفَافُ، ثم الغِنَى، ثُمَ الإحْرَافُ، وهُو أنْ يَنْمِيَ المَالُ ويكثُرَ. ثُمَّ الثَرْوَةُ. ثُمَّ الإِكْثارُ. ثمَّ الإِتْرَابُ (وهُوَ أنْ تَصِير أمْوَالُهُ كَعَدَدِ التُّرَابِ). ثُمَّ القَنْطَرَةُ وهوَ أنْ يَمْلِكَ الرَّجُلُ القَنَاطِيرَ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ.

وفي تَفْصِيلِ الأمْوَالِ: إذا كانَ المَالُ مَوْرُوثاً: تِلاَدٌ، وتَلْدُ وتَلِيدُ، فإذا كانَ مكْتَسَباً: طَارِف؛ قال جميلُ بن معمر:

وقد كان حُبّيكُمْ طريفاً وتالداً

وما الحبُّ إلاّ طارفٌ وتليدُ

فإذَا كانَ مَدْفُوناً فَهُوَ رِكَاز. فإذا كَانَ لا يُرْجَى فهو ضِمَار. فإذا كانَ ذَهَباً وَفِضَّةً فهو صَامِتٌ. فإذا كانَ إِبلاً وغَنَماً فَهُوَ نَاطِق. فإذا كانَ ضَيْعَةً ومُستَغَلاً فهو عَقَارٌ.

هفوة وتصويب

يقولُ بعضُهم «هذا الأمْرُ لا يتيسّرُ كلَّ آوِنَةٍ»، ويقصدونَ كلّ حين.. وهي خطأ، والصّوابُ «كلّ أوانٍ»، لأنّ آوِنَة: جمعُ أوان؛ مثلُ أزْمِنة: جمعُ زَمان، وأمْكِنة: جمعُ مَكان، وأجْوزة: جمعُ جواز؛ قال رشيد بن رُميض:

هذَا أَوَانُ الشَّدِّ فَاشْتِدِّي زِيَمْ

قَدْ لَفَّهَا اللَّيْلُ بِسوّاقٍ حَطَم

ليس بِرَاعِي إِبِلٍ ولا غَنْم

ولا بِجَزَّارٍ على ظَهْرِ وَضَمْ

ويقال: فلانٌ يصنعُ ذلك الأَمر آوِنةً إذا كانَ يَصْنعه مراراً ويدَعُهُ مراراً؛ قال أَبو زُبيد:

حَمّال أثقالِ أَهلِ الوُدِّ، آوِنةً

أُعْطِيهمُ الجَهْدَ مِنِّي، بَلْهَ ما أَسَعُ

من أمثال العرب

إذا تَرَحّلْتَ عن قَوْمٍ وَقَد قَدَرُوا

أنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرّاحِلونَ هُمُ

شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ

وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ

البيتان لأبي الطيّب؛ يؤكّد فيهما أنّك إذا حاولتَ مغادرةَ مكانٍ، ولمْ يتشبّثْ، أهلُه بكَ فإنّهم همُ الرّاغبون في الرّحيلِ، وأسوأ البلادِ تلك التي لا صَديقَ فيها تَسكنُ إليه، ويُعينك على ما تريده، وشرّ كسبِ للإنسانِ، ما يُعاب بِه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"