تركيا وأرمينيا والمصالحة التاريخية

00:22 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

هناك تاريخ طويل ومرير من العداء بين تركيا وأرمينيا يعود إلى القرن الماضي جراء تداعيات صراع بدأ العام 1915 وحتى العام 1920، وانتهى بمجازر طاولت أكثر من مليون شخص، ونزوح مئات آلاف الأرمن إلى الدول المجاورة، ومنها بلاد الشام.
 كل محاولات المصالحة بين البلدين الجارين اللذين تربطهما حدود مشتركة بطول 311 كيلومتراً فشلت. فقد حاولت الولايات المتحدة عام 2001، ولم تنجح. وفي عام 2009 جرت محاولة جديدة من خلال دبلوماسية «كرة القدم» ولاقت مصير سابقتها، بسبب مواقف المتطرفين في كلا البلدين على خلفية الوضع في ناجورنو كارباخ. يومها قال وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو، إنه إذا كانت هناك تسوية إقليمية واسعة سينتصر الجميع. 
 لكن الحرب الأخيرة بين أرمينيا وأذربيجان، ورغم خسارة يريفان إقليم كارباخ إلا أن الظروف الإقليمية والدور الروسي فيها أديا إلى تقارب بين البلدين انتهى باتفاق على بدء حوار بينهما في موسكو يوم الجمعة الماضي بعد صدور تصريحات من الزعماء الأتراك والأرمن بالاستعداد لفتح صفحة جديدة في العلاقات.
 المبعوثان التركي سردار كيليش والأرمني روبن روبينيان دبلوماسيان مخضرمان ويعرفان تفاصيل الملف الخلافي ومكامن القوة والضعف لدى الطرف الآخر، وأمامهما فرصة حقيقية لتحقيق اختراق فعلي في العلاقات لتجسير سنوات طويلة من الخلاف والجفاء، لكن ذلك لا يمكن أن يتحقق بين عشية وضحاها، إلا أن تقديم المصالح المشتركة على ما عداها يمكن أن يؤدي إلى تأسيس عوامل الثقة المتبادلة، وبدء خطوات جدية على طريق التطبيع مثل فتح الحدود، وتسيير رحلات طيران مبائشرة بين البلدين، وفتح بعثات دبلوماسية في أنقرة ويريفان، كمقدمة لخطوات لاحقة أوسع مدى؛ ذلك أن مصالح الدول داخل إقليم جنوب القوقاز تحتم عليها الانتقال بعلاقاتها السياسية نحو مرحلة جديدة لاستغلال الفرص الاقتصادية والتجارية وفتح خطوط الطاقة والبضائع فيما بينها، ومع دول الجوار، ثم إلى أوروبا وإفريقيا، بمعنى أن يلعب الإقليم دور همزة الوصل بين الشرق والغرب، خصوصاً مع الجهود الصينية لاستكمال مسار خط الحرير الجديد.
 إذاً، هناك مغريات كثيرة لنجاح المحادثات الأرمينية  التركية، خصوصاً بعد تراجع أزمة كاراباخ، وبروز إيجابية ومرونة في مواقف البلدين لتخطي خلافات الماضي وفتح صفحة جديدة في العلاقات. وقد نقلت وكالة «تاس» الروسية عن مسؤول في وزارة الخارجية الأرمنية قوله إن بلاده تتوقع إقامة علاقات دبلوماسية مع تركيا وفتح الحدود كنتيجة للحوار بينهما. في حين قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه لا يرى عائقاً أمام تطبيع العلاقات مع أرمينيا في حال حافظت يريفان على نية حسنة تجاه باكو. كما قال رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشيشيان بأن بلاده مستعدة لبدء عملية ترسيم الحدود مع أذربيجان.
 هناك فرصة حقيقية هذه المرة، بجهد روسي، لتحقيق مصالحة تاريخية طال انتظارها بين تركيا وأرمينيا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"