عادي
جبال ومرتفعات توفر رحلات شائقة للبحث عن العسل

العسل.. يعزز السياحة البيئية ويُبرز تنوع طبيعة الإمارات

21:21 مساء
قراءة 6 دقائق
  • محميات تنتشر على امتداد الدولة تأخذ زوارها في رحلة تراثية
  • تجربة البحث عن خلايا النحل بين الجبال تبدأ عند الفجر
  • السدر والسمر والغاف أنواع فريدة تنتجها طبيعة غنية بتنوعها
دبي: «الخليج»
تزخر بيئة الإمارات الفطرية بالكثير من الثروات التي تعكس فرادة وتنوع طبيعتها الغنية، فمن الجبال الشاهقة إلى السواحل الممتدة من الخليج العربي وحتى المحيط الهندي، وصولاً إلى الواحات التي تتوسط صحاريها الواسعة، تتنوع أشكال الغطاء النباتي الذي تعززه المحميات الطبيعية المنتشرة في مختلف أنحاء الدولة، ومعه تتنوع عطاءات الطبيعة من أنواع العسل الإماراتي بخصائصه الصحية الفريدة والإضافة المميزة التي يقدمها للسياحة البيئية والجبلية في الدولة.
فمنذ قديم الزمان، يواكب العسل رحلة الإنسان في الإمارات وأسلوب معيشته المستدام المتكامل مع الطبيعة، فهو غذاء يمكن تناوله بمجرد حصاده أو الاحتفاظ به لفترات طويلة ليواكب رحلات السفر البعيدة، وهو دواء يدخل في العديد من الوصفات الشعبية كما أنه رمز لكرم الضيافة وشعار للترحيب بالضيوف.
ومع تنوع بيئة الإمارات وثروتها الطبيعية تنوع إنتاجها من العسل وتحولت المناحل - وخاصة في المناطق الجبلية – إلى مورد للدخل وعامل جذب سياحي يقوم على خيرات الأرض وأصالة التراث في قلب أجمل شتاء في العالم.
وتنتشر على امتداد دولة الإمارات بتضاريسها المتنوعة موائل طبيعية عديدة لتربية النحل وجني العسل بمختلف أنواعه بما يعكس غنى طبيعية هذه الأرض الطيبة ومساهمتها في استدامة الحياة لجميع البشر، إذ بحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن 71 محصولاً زراعياً من أصل 100 نوع من المحاصيل المسؤولة عن توفير 90% من الغذاء عالمياً، يعتمد وجوده بشكل شبه كامل على تلقيح النحل.
جمال الطبيعة
يُعرف العسل الإماراتي بخصائصه الطبيعية الممتازة وجودته العالية التي تستفيد من بيئة الدولة الطبيعية المتنوعة ومن القوانين الصارمة التي تحمي الموائل الطبيعية للكائنات الفطرية والتوسع الكبير في إنشاء المحميات. ويرتبط إنتاج العسل في دولة الإمارات بثلاثة مواسم رئيسية هي السمر والسدر والغاف وهي على صلة بسقوط الأمطار.
وتبدأ عملية جني عسل السمر المعروفة بـ«قص العسل» في شهر إبريل وتستمر حتى يونيو، وتشتهر المناطق الجبلية الوعرة في الدولة بإنتاج هذا النوع من العسل الذي احترف أبناء الجبال معرفة مخابئه عبر تتبع طرق النحل بين شعب الجبال في مناطق انتشار أشجار السمر.
وتشتهر جبال إمارة الفجيرة بإنتاج هذا النوع من العسل البري الذي عادة ما يجمعه النحل في خلايا مخبأة بين الكهوف والصخور أو على قمم الجبال وفي الوديان السحيقة وبين أغصان الأشجار البرية.
ويعتبر «عسل السمر» من ألذ وأغلى أنواع العسل المحلي ويمتاز برائحته الزكية وفوائده الطبية، ويميل لونه عند حصاده إلى الأحمر أو الذهبي قبل أن يتبدل بعد تخزينه لاحقاً ليصبح أقرب إلى الألوان الداكنة مع احتفاظه بخصائصه الطبيعية كاملة.
أما عسل الغاف فيكون حصاده بين أشهر مايو ويوليو، ويرتبط اسم هذا العسل بشجرة الغاف المعروفة في الدولة، والتي تنتشر بكثرة في المناطق الصحراوية وعلى جوانب الطرق، ويتميز عسل الغاف بنسبة السكريات العالية التي تمنح متناولها طاقة وقوة لفترات طويلة.
أما عسل السدر الذي يستخلص من زهرة «اليبياب»، فيكون موسم قصّه بين أكتوبر ونوفمبر، ويكثر هذا النوع من العسل في جبال وسهول الإمارات وأوديتها، لاسيما في المناطق الشمالية الشرقية، ويعد أفخر أنواع العسل وأجودها، ويمتاز بمذاقه ورائحته العطرة ولونه الذهبي المميز.
وإلى جانب هذه المواسم الثلاثة الرئيسية للعسل في المناطق الجبلية في الدولة، توجد مواسم أخرى لأنواع أقل انتشاراً من العسل مثل العسل الربيعي بين منتصف فبراير ومنتصف إبريل، والذي ينتج عن تغذية النحل بالنباتات المزهرة، إلى جانب عسل أشجار القرم وعسل السنط العربي وعسل القتاد، ولكل منها مذاقه ولونه ورائحته المميزة.
نحل الإمارات
ويمكن للمتجول في جبال الإمارات مشاهدة النحل المحلي الذي يتميز بحجمه الصغير وألوانه الخاصة، ويعرف باسم نحلة «أبو طويق» وهي نحلة ذات خصائص فيزيولوجية فريدة بين سائر فصائل النحل، وتنتمي إلى عائلة «النحل القزم» الذي يعيش في المناطق الحارة جنوب وجنوب شرق آسيا والخليج، ويمتاز بقدرته الكبيرة على تحمل الحرارة المرتفعة بعكس سائر فصائل النحل.
وتعمل السلطات في دولة الإمارات على تطوير سلالات النحل المحلية نظراً لدورها الحيوي في تطوير المناطق الخضراء وتخصيب المزروعات والحفاظ على التوازن البيئي، ومنذ عام 2015، تعمل هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية على تطوير سلالة نحل إماراتية، وتم إنتاج عدد من الأجيال لملكات عالية الجودة وتثبيت الصفات الوراثية وتقييم الأداء لملكات سلالة النحل الإماراتية، حيث يقوم قطاع التطوير في الهيئة بإنتاج ملكات النحل خلال موسمين في العام يبدأ الموسم الأول من منتصف فبراير حتى منتصف إبريل، في حين يبدأ الموسم الثاني في منتصف سبتمبر ويستمر حتى نهاية نوفمبر، مما يتيح استمرارية طوائف النحل ذات الملكات الإماراتية صغيرة السن والخصبة مما يعزز من نشاطها في وضع البيض بكثافة.
رحلات شائقة بين الجبال
وتشكل رحلات البحث عن العسل بين ثنايا جبال ووديان الإمارات تجربة فريدة ضمن تجارب السياحة الجبلية، ويبدأ البحث عن خلايا العسل البري عند الفجر، وينطلق النحالون والمهتمون بهذه الرحلات نحو المرتفعات بتجهيزات بسيطة، منها عبوة ماء مخصصة للرحلات، وإناء مخصص لحصد العسل وأدوات محلية مصنوعة من موارد طبيعية مثل الـ«المقفلية» وقطع من جريد النخل.
ويتتبع الفريق الخارج للبحث عن العسل مسيرة النحل المتوافقة مع الشمس أو يستدلون على وجود العسل في موقع قريب من خلال تتبع نقط العسل على الصخور، وبعدها تبدأ عملية «قص العسل» أي قطافه، وذلك من خلال اقتطاع أجزاء من الخلية تكون غنية بالعسل مع إبقاء بعض العسل إلى جانب الأجزاء السفلية من الخلية التي تحتوي على اليرقات والحضنة ولكي يعود النحل إليها ويعيد بناء خلية جديدة خلال الموسم التالي.
وتحرص مختلف الجهات الحكومية والخاصة في دولة الإمارات على الاعتناء بالنحل وتمكين العاملين في هذا القطاع كجزء أساسي من الاقتصاد المستدام.
محميات للعسل
وتنتشر في مختلف بقاع دولة الإمارات محميات مخصصة للنحل والعسل، أبرزها «حديقة النحل» التي تقع بين جبال حتا وتحيط بها أروع النباتات والحيوانات كما تساهم في تسليط الضوء على دور النحل وأهميته للبيئة.
ويمكن للزوار الاقتراب من خلايا النحل واكتشاف سلالاتها الرائعة بينما يستمتع الأطفال بالنشاطات الترفيهية المتنوعة. كما يضم الموقع حديقة خارجية ومقهى يقدم المأكولات العضوية، كما توفر الحديقة فرصة شراء العسل الطبيعي الشهي أو منتجات التجميل المصنوعة من العسل.
وتشهد مدينة حتا أيضاً مهرجاناً سنوياً للعسل تترافق فعالياته مع حملة أجمل شتاء في العالم، وقد جذب في فعاليته الأخيرة أكثر من 20 ألف زائر من جميع أنحاء الدولة.
وفي منطقة دبا الفجيرة، يمكن زيارة «محمية الظنحاني للعسل» والاطلاع على متحف علي سالم سليمان الظنحاني الشخصي الذي يحوي أدوات تراثية وأزياء شعبية والأدوات والآلات الخاصة بتنقية العسل وتعبئته، ليصبح جاهزاً لتصديره إلى السوق المحلي، والعجيب أن هذا البيت يضم متحفاً؛ إذ يجمع فيه الظنحاني نماذج من الأدوات التراثية، والعملات القديمة، والأزياء الشعبية التي كان الآباء والأجداد يستخدمونها في الإمارات قديماً.
أما في مشروع وادي الحلو وسد الغيل بمدينة كلباء في المنطقة الشرقية من الدولة والتابعة لإمارة الشارقة، فيستمر العمل على مشروع جبل الكتاب الذي يقع على ارتفاع 950 متراً ويستهدف تطوير 5 قمم جبلية متصلة ببعضها عبر مجموعة من الطرق والمسارات التي تتيح للمستخدمين تجربة فريدة ومميزة بالإضافة إلى غابات ظليلة على الجبال بمساحة 80 هكتاراً. ويضم المشروع محمية وادي الشوع للعسل التي تتخللها مساحات على شكل برك ماء تتجمع بها مياه الأمطار بشكل دائم.
النحل شريك الاستدامة في إكسبو
وباعتبار الاستدامة أحد أبرز مرتكزات معرض إكسبو 2020 دبي الذي يحتفي بتواصل العقول وصنع المستقبل، فقد كشفت إدارة المعرض عن نجاح تجربتها لجني عسل مستعمرة نحل أنقذها العاملون في الموقع أثناء عمليات البناء ونجحوا بنقلها من الموقع إلى مكان آمن في خليتها الجديدة في المدينة المستدامة في دبي.
وقد نفّذ الفريق البيئي العامل على تطوير الموقع عام 2016 عملية النقل من موقع إكسبو إلى حديقة نحل «جمعية مربي النحل» ضمن المدينة المستدامة في دبي، ومنذ ذلك الحين، يزور فريق إكسبو الخلية لجني العسل وتعبئته في عبوات خاصة موسومة بعلامة إكسبو 2020.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"