عادي

تعرف إلى أشهر دمية في الأدب

13:01 مساء
قراءة دقيقتين
رواية «مغامرات بينوكيو» للإيطالي كارلو كولودي
تفتح رواية «مغامرات بينوكيو» للإيطالي كارلو كولودي، الباب على مصراعيه لطرح الكثير من الأسئلة التي تداعب خيال القارئ، كلما تورط في أحداث الرواية.
تبدأ حياة الدمية «بينوكيو» من قطعة من خشب الصنوبر عثر عليها ذات يوم المعلم «كرزة»، فاعتزم حرقها للتدفئة، ولكنه وجدها تصدر أصواتاً، فانتابه هلع شديد، فتخلص منها ومنحها لصديقه «جيبتو»، الذي بإيحاء من «كرزة»، ذهب إلى بيته وأخذ أدواته وشمر عن ساعديه وشرع في صناعة دمية، وعندما وصل إلى حفر العينين لاحظ أنهما تتحركان، ولم يلبث عندما انتهى من نحت اليدين حتى قامت الدمية بمداعبته وإزاحة باروكة الشعر المستعار عن رأسه، وبعد أن علّمها المشي فرّت هاربة من بيت النجار الذي كانت الدمية تدعوه أبي.
هل كان كولودي يكتب سلسلة مغامرات عن دمية ليقدم نصائحه للأطفال حتى لا يتمردوا، ويسمعوا كلام أهلهم؟ أم هيمنت في الخلفية سرديات تتعلق بالطبيعة البشرية وفكرة البداية والنهاية؟ لقد كان أول فعل لـ«بينوكيو» الهرب، التحرر من الأب، والانخراط في معترك الحياة، والملاحظ أن بينوكيو يكرر أخطاءه ولا يتعلم منها، ولا يستمع إلى نصائح الطيور، أو صرصار الليل الناطق، ولا الساحرة الطيبة، وكثيراً ما حاول أن يكون «إنساناً» ملتزماً، ولكنه لا يلبث حتى يقع في مشكلة أو محنة أوصلته في إحدى المغامرات إلى حافة الموت.
الدمية في رحلة بحث دائم عن الأب الذي هجرته باختيارها، وتعيش حالة لهاث عبر طرق عدة لكي تصل إليه، وعندما تقع في مأزق تهتف: «أنقذني يا أبي»، وكثيراً ما تكره كونها دمية، وتنتظر المكافأة، أن تصبح طفلاً، ينمو ويكبر، وفي الخلفية نحن أمام روح بريئة لم تتلوث، عفوية وصادقة، وعندما تكذب لكي تنجو من المآزق التي تقابلها يستطيل أنفها، أو أذناها.
تلقائية بينوكيو نتيجة لأنه لم يدرك قانون اللعبة-الواقع، ففي مغامراته يقابل سلوكات لا يفهمها، وينخدع بشخصيات تبطن المكر والغش. وعندما يدخل بينوكيو «سجن مصيدة مدينة الحمقى» لا يحصل على العفو العام الذي أصدره حاكم المدينة إلا حين يعترف بأنه «لص»، فالعفو لم يكن يشمل إلا هذه الفئة، بينما وضع بينوكيو في السجن لمدة أربعة أشهر لأنه تعرض للخديعة.
وفي النهاية، عندما يساعد والده على النجاة، وينام قرير العينين للمرة الأولى في حياته، يحلم بالساحرة الطيبة، وعندما يستيقظ يرى أنه لم يعد دمية، بل أصبح ولداً مثل جميع الأولاد الآخرين.
من قطعة الخشب إلى دمية تتعلم المشي، إلى اكتساب الطبيعة البشرية، من الهرب متمرداً على الأب، إلى العودة إليه ومساعدته والحصول على المكافأة، من الحلم إلى الواقع والطريق الطويل بينهما والمفخخ بالعقبات والموزع على أكثر من اختيار، كان كولودي يتقمص دور المؤلف المهيمن الذي يختبر «دميته»، ليصنع منها أشهر دمية في تاريخ الأدب، ولكنها دمية تطرح علينا أسئلة تتعلق برحلة الإنسان لاكتشاف ذاته.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"