سر الفشل والنجاح

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

يعتقد كثيرون أن التنمية تتطلب موارد طبيعية وثراء فاحشاً، بينما هنالك دول حقّقت تنمية متقدمة وأصبحت نموذجاً في الرخاء والرفاهية في الوقت الذي تفتقر فيه للموارد الطبيعية. وفي المقابل هنالك دول ثرية لديها موارد طبيعية كالنفط مثلاً، بينما لم تحقّق أي تنمية وظلّت ضمن الدول المتخلّفة، وشعبها يعاني نِسباً عالية في الفقر، وهذا الواقع يطرح أكثر من سؤال: هل تكمن المشكلة في السياسات التنموية والسياسية والاجتماعية، أم في السياسات الإدارية، أم في أساليب توظيف المال، أم في الشفافية والفساد، أم في تأهيل الموارد البشرية، أم في قيّم العمل، أم في الولاء والانتماء، أم في المحافظة على المال والممتلكات العامة؟ وهل تتعلق التنمية بالقيادة وإخلاصها أم بالشعب وصدقه وانتمائه؟

 في الواقع، يمكن الاستمرار في طرح أسئلة حتى نهاية المقال، وبعضها يحمل في طياته إجابات واضحة، لكن لب الموضوع له صلة بالبدهيات، كأهمية القيم والمبادئ لدى الشعب والقيادة، وحين يتحول الجدل حول البدهيات والاختلاف حولها، نكون قد وصلنا إلى إجابات لمعظم المحاور المطروحة تقول إن هذه الدولة أو تلك غير معنيّة بالتنمية وتوفير الحياة الكريمة لشعبها. وتختل البدهيات حين تتحول السرقة إلى شطارة، والنصب إلى حذلقة، والفساد إلى ذكاء، والخيانة إلى وجهة نظر، عندها سيغيب النظام ويغيّب القانون، وتسود حالة من الاستزلام وفرض الخوات والرشى، ويتم تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، ويتعلم الشعب في هذه الحالة من القيادة الفاسدة، التي تتحول إلى نموذج يُحتذى، وتبرير لممارسة الفساد، وينطبق عليها المثل المعروف: حاميها حراميها.

 تبرّر بعض الدول فشلها في التنمية وانتشار الفقر على أراضيها، بسعيها إلى تحقيق توازن استراتيجي مع العدو، الذي في الأغلب يكون وهماً أكثر منه حقيقة، وتوهم الشعب بأن الناتج المحلي يذهب لشراء الأسلحة أو تصنيعها، أو لتدريب الجيش، أو توفير المستلزمات الدفاعية، أو دعم المنظمات الثورية الموالية، بينما تذهب الأموال في حقيقة الأمر إلى حسابات المسؤولين في المصارف الأجنبية، ولا يتم اكتشاف الأمر إلا بعد انتفاض الشعب وتغيير النظام وتقديم رموزه للمحاكمة، كما حصل مع دول كثيرة، عربية وأجنبية.

 الأسئلة ذاتها تنطبق على الحركات التحررية أو الثورية: لماذا تفشل حركة وتنتصر أخرى؟ هل العيب في القيادة أم في الشعب؟ وهل يمكن أن يحدث فساد في العمل التحرّري أو الثوري؟ بعض الحركات التحررية الفاشلة تعزو الفشل إلى الظروف الإقليمية وعدم التكافؤ في ميزان القوى، وبعضها يبرّر الهزيمة بعدم وجود الدعم المادي اللازم لشراء الأسلحة ودفع أجور المقاتلين، وبعضها يحاول التنظير بطرح أفكار لا تليق بأهدافها واستراتيجيتها، بينما لو بحثنا عن الأسباب، فإننا سنجدها كلها جوفاء لا تُقنع الأطفال، وهي تعمية للشعب وتبرير للفساد، الذي حوّل الثوري إلى تاجر، والمقاتل إلى مرتزق، والتحرري إلى خائن يتاجر بقضيته، فيطفو مرة أخرى مبدأ الإخلاص والإرادة، كما تعود القيم لتطل برأسها، وتظهر الحقيقة بوضوح ويكون التخلّي عن الأخلاق التحررية وانتشار الفساد وغياب الروح الأصيلة، وغياب الولاء والانتماء، هي السبب وراء الفشل والهزيمة.

 وبذلك، تتشابه الأنظمة الفاشلة مع الحركات التحررية المهزومة، لتكون النتيجة فساد ضمير وعلّة في القيم. أما ضعف مستوى الإدارة وقلة الإمكانات وغياب الكفاءات، هي أسباب لن تدوم طويلاً أمام المثابرة وبذل الجهود وتحكيم الضمير.

 لا نخصّ بكلامنا دولة أو حركة تحرير بعينها، فالتاريخ القديم والمعاصر مملوء بالنماذج الحية في حالتي النجاح والفشل، والتاريخ يسجّل ويوثّق التجارب المبهرة والأخرى الفاشلة، ويبقى عنصر الإخلاص والمستوى العالي من الانتماء، ووضع الخطط والاستراتيجيات، وتنفيذها بحب وحكمة وحنكة هو الطريق نحو التنمية المستدامة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"