سلاح ذو حدين

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

د. باسمة يونس

تغير الزمن وتسارعت خطى العصر، ومع نمط الحياة الحديث اليوم أصبح القراء المعاصرون أكثر انشغالًا من أي وقت مضى، والكثير منهم لا يمتلكون الوقت والطاقة العقلية للالتزام بقراءة رواية كاملة، ما يجعل القصص القصيرة عملياً ومنطقياً ملاذاً سريعاً وسهل الإنهاء، مقارنة برواية طويلة.
كل هذا يجعل القصة القصيرة لا تحظى بشعبية فحسب؛ بل تتناسب بشكل مثالي مع الزمن والقراء المعاصرين وتطلعاتهم لتصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى، ولكن هل ما زالت القصص القصيرة شائعة حقاً؟ 
ألا يشهد هذا النوع من الكتابة الأدبية انخفاضاً طفيفاً في شعبيته مقابل الزيادة الملحوظة واللافتة في عدد الروايات الطويلة؟ أليس هذا تناقضاً محسوساً مع مفهوم السرعة وضيق الوقت؟ فما الذي يحدث إذن؟ ولماذا لم تعد القصة القصيرة رائجة كرواج الرواية؟
هل السبب في زيادة أعداد الجوائز المتخصصة في الرواية التي تبدو أكثر استحقاقاً لقيمتها المادية من القصة القصيرة؟ أم في أن القصة ما لم تكن جزءاً من مجموعة أكبر أو من مجلة لا تصبح خياراً عملياً؟ هل غمر بعض الكتاب قصصهم برمزية ملغزة نفرت القارئ منها؟ أم إن صعوبة كتابة القصة القصيرة تدفع الكتاب للجوء إلى الخيار الأكثر أماناً وكتابة رواية طويلة؟ هل هو بسبب توقف المجلات والصحف عن نشر القصص القصيرة مقابل تسليط الضوء على ملخصات الروايات؟
هل أصبحت القصة القصيرة لا تغري الكتاب بكتابتها بسبب تركيبتها المكثفة التي تجعلها أكثر صعوبة واحتياجاً لمزيد من الدقة أكثر من كتابة الرواية؟ أم لأنها غير قادرة على التوسع في موضوعاتها وشخصياتها ولا يمكنها الاعتماد على حبكات فرعية متعددة وعشرات من الإعدادات المختلفة بنفس الطريقة التي يمكن للرواية القيام بها؟
إن الكاتب يدرك أن كتابة القصة القصيرة تعتبر سلاحاً ذا حدين، فهو يخضع مهاراته الأدبية للمحاكمة في كل مرة ينحت فيها قصة قصيرة باعتبارها شكلاً فنياً يصاغ في عدد محدود من الكلمات والصفحات بعناية ودقة لا مجال للتهاون فيها، والتوسع في آفاق رحبة بدون فقدان بوصلة الهدف من خلال نافذة صغيرة جداً عليه الاستفادة من مساحتها الضيقة لجذب انتباه القراء لموضوعه وشخصياته، وتخطي الحدود وتجريب الأفكار التي يصعب عليه تجربتها في الرواية، وإثارة ذهول القارئ ودهشته بكل جملة تصاغ بحرفية وتكون ذات قيمة تجعله يحصل على ما يستحقه مقابل شرائها.
لا شك في أن كتابة قصص قصيرة تلفت الانتباه إليها، وترضي قراءها وتجعلهم يفكرون فيها لوقت طويل بعد الانتهاء من قراءتها، وإلحاح القراء على قراءة المزيد من القصص القصيرة للكاتب نفسه، تستلزم بذل جهد كبير تستحقه، لأن المجموعات القصصية تعد فرصة رائعة للكاتب لإبراز موهبته الأدبية عبر أفكاره وتطوير شخصياته وتحسين حواراته وإنهاء قصته بطريقة مشوقة، بحيث يظل القارئ تواقاً لقراءة المزيد منه.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"