«الفكرة» أكبر من الحوثي وأشباهه

00:44 صباحا
قراءة 4 دقائق

رائد برقاوي

يؤكد الاعتداء الحوثي الآثم على المنشآت والمواقع المدنية في الإمارات، أننا أمام منطق عصابة وجماعة متطرفة، تعودت على الغدر والخداع والعمل في الظلام والاستهانة بالأعراف الدولية والقيم، وحتى أرواح البشر في سبيل تحقيق انتصارات زائفة.

احتفل الحوثي وهلّل ووصف إجرامه بلغة لا محل لها من الإعراب في ساحات القتال الحقيقية، ففي أعقاب إطلاق مسيراته مباشرة، أعلن أنباء هجومه «المظفر» على شبكة الإنترنت في مشهد يذكرنا بالقاعدة وأخواتها، ولم يسانده في ادعاءاته بالنصر إلا جماعات رديفة من أمثال «عصائب أهل الحق» في العراق.

المراقب للموقف والباحث في أحوال الجماعات المتطرفة والتكفيرية أو حتى المتابع للأحداث.. عليهم أن يسأل كل واحد منهم نفسه أولاً عن الأهداف التي سعى الحوثي إلى تحقيقها من وراء هجومه الغادر، وأن يسأل ثانية عن أهمية الإعلان عن نتائجه خاصة أننا لاحظنا في نبرة صوت من ألقى بيان الهجوم، وحتى في تعبيرات وجهه شعوراً بالسعادة والفخر.

لم يحقق الحوثي من هذا الهجوم أي هدف استراتيجي طويل المدى أو أي مكسب صغير يتناسب مع حجمه على أرض الواقع، وإذا كان بعض المحللين ووسائل الإعلام ممن لا يعرفون عزيمة الإمارات أو مواقفها أو تمسكها بمبادئها وقناعاتها، قد سارعوا لحظتها مباشرة بالقول إن ذلك الهجوم سيدفع الدولة إلى مراجعة موقفها في اليمن، فإن الإمارات لم ترد عليهم بالقول أو البيانات وحسب، فلم تمر  ساعات قليلة من إعلان تمسكها بحق الرد، إلا وكان طيران التحالف يمارس هذا الحق المشروع في الميدان، في بيت الحوثي نفسه، ولم يصحب ذلك أية مظاهر احتفالية في أماكن سرية ومغلقة لا تتضمن إلا كاميرا بائسة للوصول إلى الشبكة العنكبوتية، كما فعل الحوثي.

التحالف سبق هجومه بالإعلان عنه للعالم بأكمله، فما فعله الحوثي بعيداً عن الأعين يشبه القتل العمد مع ترصد الضحية في الظلام، أما هجوم التحالف فيدخل في باب القتال للدفاع عن النفس واسترداد الحق، ولكي يعرف كل طرف موقعه ومكانته، قوته وإمكاناته، هو الفارق بين القتل غيلة والقتال في ساحة المعركة، هو أيضاً الفارق بين الدولة والجماعة، والجيش والميليشيات، والشرعية واللاشرعية، هو ببساطة الفارق بين تصرفات الكبار وألاعيب الصبيان.

الرسالة كانت واضحة جداً في هجوم التحالف، وهي موجهة للجميع، للحوثي أولاً، ولأطراف أخرى عديدة تراقب من بعيد وتنتظر رد الفعل، فالإمارات بلد المبادئ، والتي وقفت طويلاً إلى جانب اليمن وشعبه ليس في السنوات الأخيرة وحسب، ولكننا جميعاً نعرف مركزية اليمن في قلب وعقل المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وهو ما أكده «عيال زايد» في كل موقف ومناسبة.

لن تتراجع الإمارات عن موقفها في اليمن، ولن تخضع لأفعال البلطجة والتهديد، ولن تتوقف لحظة للاستماع إلى أصوات تحاول أحياناً التظاهر بالحكمة والتعقل، وتدعو إلى ضبط النفس أو التهدئة، فأولاً ليست هذه حرب بين أطراف متكافئة، وثانياً لا تفريط في حقوق الوطن، هي خط أحمر بالنسبة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وثالثاً تدرك الإمارات جيداً الضريبة الفادحة التي دفعها البعض عندما ضبطوا النفس أو تحاوروا مع التكفيريين والظلاميين، كانت النتائج كابوسية ونرى تجلياتها واضحة في أكثر من مكان.

في الواقع لم يحقق الحوثي أي هدف من وراء جريمته النكراء، سوى قتل ثلاثة أبرياء ربما لم يسمعوا يوماً عن شخص يدعى عبد الملك الحوثي، ولم تتعاطف معه إلا الميليشيات الشبيهة المعروفة بسفك دماء المدنيين وإرهاب المسالمين والاستقواء عليهم.

في الحقيقة لم يكن للحوثي من هدف ومنذ البداية إلا التغطية على هزيمته في شبوة ومأرب، والتعتيم على الانتصارات المتلاحقة لألوية العمالقة، ومحاولة يائسة لذر الرماد في عيون الأتباع في الداخل اليمني، بتحقيق مكسب سريع وصغير، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن.

لم تبق دولة أو منظمة في العالم إلا وتضامنت مع الإمارات، وهو ما يؤكد ثقل الدولة وقيمتها في الساحة العالمية، وعلى البعض وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية إعادة النظر في رؤيتهم للحوثي وتعريفهم له، فبرغم تضامن أمريكا مع الإمارات إلا أنه آن الأوان لتصنيفه كجماعة إرهابية مرة أخرى، فالأمن والسلم الدوليان يتطلبان ذلك وبصورة سريعة وملحة، فلا تنمية أو تقدم أو علاقات دولية صحية يسودها الهدوء والتفاهم من دون التمييز القاطع والواضح لجماعات الإرهاب ومن يدعمها.

الإمارات ليست وطناً أو دولة ناهضة ونموذجاً في التنمية أو أرضاً يعيش عليها أكثر من 200 جنسية في أمن وسلام وحسب، الإمارات هي كل ذلك، ولكنها أيضاً فكرة بالدرجة الأولى، والفكرة مبدئية في الأساس، لا تعرف المساومة في ما تؤمن به، أو المهادنة في حقوقها، ولأنها نموذج فهي تسكن عقول وقلوب جميع أبنائها والمقيمين فيها وفي مقدمتهم رجال جيشنا الأبطال وعلى رأسهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، والجميع سيحافظ على ألق ورونق هذه الفكرة بالغالي والنفيس، إذ إن مشروعها في التنمية والبناء مزدهر وسيستمر بعزيمتنا وإصرارنا، رغم أنف الحوثي وأشباهه، الذين تقض الأفكار الحقيقية مضاجعهم دائماً.

الإمارات نموذج في العالم بأكمله، وهي تمد يدها بالسلام والأخوة الإنسانية للجميع، لعل الحوثي يدرك المغزى ويفهم معنى الفكرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"