عادي

عذب الكلام

23:14 مساء
قراءة 3 دقائق

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

من بديعِ البلاغةِ «التّورية»، وتُسَمّى «الإِيهام»، وهي أن يَذكُرَ المتكلّم لفظاً مفرداً له مَعْنيان، ظاهرٌ يَتَبَادَرُ إلى الذِّهن، وهو غيرُ مُراد، وبَعيدٌ وهو المُرادُ. ومِنْ لطيفِها، قولُ سِراجِ الدّين الورّاق:

أَصُونُ أَدِيمَ وَجْهِي عَنْ أُنَاسٍ

لِقَاءُ الْمَوْتِ عِنْدَهُمُ الأَدِيبُ

وَرَبُّ الشِّعْرِ عِنْدهُمُ بَغِيضٌ

وَلَوْ وَافَى بِهِ لَهُمُ حَبِيبُ

كلمة «حبيب» لا يريدُ بها المَعْنى القريبَ وهو المَحْبوبُ، بل يريدُ بها اسمَ الشّاعر أبي تمّام حَبِيب بنِ أوس.

وقولُ بدر الدّين الذّهبي:

يا عَاذلي فيهِ قُلْ لي

إذا بَدا كَيْفَ أسْلو؟

يَمُرُّ بي كلَ وَقْتٍ

وكُلّما «مَرَّ» يَحْلو

التورية هنا كلمة «َمرّ»، فإنّ لها مَعْنيين: أحدَهما أنّها مأخوذةٌ مِنَ المَرارة وهو القريب بدليل مقابلتها بكلمة «يَحْلو»، والثاني أنّها مأخوذة من المُرور، وهذا هو الذي يريدُه الشاعرُ.

دُرر النّظم والنّثر

أصالة الرأي

لمؤيّد الدين الحسين بن علي الطغرائيّ

(من البسيط)

أصالةُ الرَّأيِ صانَتْنِي عنِ الخَطَلِ

وحِلْيةُ الفضْلِ زانَتْني لدَى العَطَلِ

مَجْدي أخيراً ومَجْدِي أوّلاً شرعٌ

والشّمْسُ رأْدَ الضُحَى كالشَّمْسِ في الطَفَلِ

أُريدُ بَسْطةَ كَفٍّ أستعينُ بها

على قضاءِ حُقوقٍ للعُلَى قِبَلي

لا أكْرهُ الطّعْنةَ النّجْلاءَ قدْ شُفِعَت

بِرَشْقةٍ مِنْ نِبالِ الأعيُنِ النُّجُلِ

ولا أهابُ صِفاح البِيض تُسعِدُني

باللَّمْحِ منْ صَفَحاتِ البِيضِ في الكِلَلِ

ولا أخِلُّ بغِزلان أغازِلُه

ولَوْ دَهتني أسودُ الغِيل بالغيَلِ

حُبُّ السلامةِ يُثْني هَمَّ صاحِبِه

عَنِ المَعالي ويُغْرِي المَرْءَ بالكَسلِ

رضَى الذّليلِ بِخَفْضِ العَيْشِ يَخْفِضُهُ

والعِزُّ عنْدَ رسيمِ الأينُقِ الذُّلُلِ

إنّ العُلَى حدَّثَتْني وهيَ صادقةٌ

في ما تُحدِّثُ أنَّ العِزَّ في النُقَلِ

أعلِّلُ النَّفْسَ بالآمالِ أرقُبُها

ما أضْيقَ العَيْشَ لولا فُسْحةُ الأمَلِ

من أسرار العربية

في الكُلّيّات:

كلُّ عظْم مستدَيرٍ أجْوَفَ: قَصَبٌ، والعريض: لَوْح. كلُّ صانع: إسكافٌ، والعامل بالحديدِ: قَيْنٌ. كلُّ ما ارتَفَعَ منَ الأرض: نَجْدٌ. كلُّ مال نفيسٍ: غُرَّة؛ كلُّ ما يرُوعُكَ منه جَمالٌ أو كَثْرَة: رائع. كلُّ شَيْءٍ اسْتَجَدْتَهُ، فَأَعْجَبَكَ: طُرْفَة. كلُّ ما حلَّيْتَ بهِ امرأةً: حَلْيٌ.

الوَجيفِ والرَّجيفِ: كلاهما بمعنى زيادةِ ضَرَباتِ القلبِ، لكنَّ الوَجيفَ بسببِ الفَرحةِ، والرَّجيفَ بسببِ الخَوْفِ. السِّبْط والحَفيِدِ، السِّبْطُ، هو ابنُ البنتِ، والحفيدُ، ابنُ الابن.

هفوة وتصويب

شاع تعبيرُ «لا يَلْقى أُذُناً صاغيةً» والصّوابُ مُصْغِية؛ صَغا: مالَ إلى. وأَصْغَيْتَ إلى فلانٍ إذا مِلْت بسَمْعك نحوهَ، واسمُ الفاعل المذكر «مُصْغٍ» والمؤنّثُ مُصْغِية؛ قال ذو الرُّمّة يصف ناقته:

تُصْغِي إذا شَدَّها بالكُورِ جانِحَةً

حتى إذا ما استَوى في غَرْزِها تَثِبُّ

يقول بعضُهم: «تابعَ الأمرَ عنْ كَثَبٍ» وهو خطأ، والصوابُ: تابع الأمر مِنْ كَثَبٍ، لأنَّ الكثبَ هو القُرْبُ. قال بعضُهم:

رمَتْ مِنْ كَثَبٍ قَلبي

ولَمْ تَرمِ بكُثَّابِ

(الكُثّابُ هو السهمُ الصغير)

من أمثال العرب

ومَنْ يَتَهَيَّبْ صُعودَ الجِبالِ

يَعِشْ أبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَرْ

فعجَّتْ بِقَلْبي دِماءُ الشّباب

وضجَّتْ بِصَدْري رياحٌ أخَرْ

البيتان لأبي القاسم الشابّي، يقول إنَ الحياةَ إرادةٌ وجهادٌ، لا يَثْبُتُ في مَيْدانها إلا القويُّ والصَّبورُ، ويجبُ على الإنسانِ أن يكونَ جريئاً، صامِداً في وجْه الشّدائد، طَموحاً إلى العلا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"