الإرهاب الحوثي وتحصيل الحاصل

00:29 صباحا
قراءة 3 دقائق

يعبّر الاعتداء الإرهابي الذي أقدمت عليه ميليشيات الحوثي على دولة الإمارات، والذي أسفر عن مقتل وجرح العديد من المدنيين الأبرياء، عن مستوى اليأس والإحباط الذي وصل إليه هذا التنظيم الإجرامي الذي يعود بنا القهقرى، بممارساته وسلوكاته الهمجية، إلى فضائح الفرق الباطنية في التراث الثقافي العربي – الإسلامي، ويذكّرنا في اللحظة نفسها بسياسات الأرض المحروقة التي اعتمدتها، وما زالت تعتمدها، التنظيمات الإرهابية المتوحّشة في العالم، التي تتبنى استراتيجية فاشلة، قائمة على ارتكاب أشنع الجرائم والفظائع، وعلى قتل المدنيين الآمنين من أجل إحداث صدى إعلامي افتراضي يهدف أصحابه من خلاله – عبثاً- لأن ينسبوا لأنفسهم صولات وهمية لا وجود لها إلا في خيالهم الانفصامي المريض.
وتشير الردود الدولية القوية التي أجمعت على إدانة الاعتداء الإرهابي الجبان على الإمارات، إلى أن هجوم الحوثي يمثل جريمة متكاملة الأركان، حسب كل المواثيق والقوانين الدولية التي تسلط أشد العقوبات على كل ما من شأنه أن يعرِّض حياة المدنيين للخطر، والزج بهم في أتون حرب أهلية تسعى من ورائها قوى إقليمية إلى فرض أجندتها، وإلى تحقيق مكاسب سياسية على حساب أمن واستقرار جيرانها؛ وبالتالي فلم يكن مستغرباً أن تؤدي جريمة الحوثي إلى إطلاق عاصفة من الانتقادات والإدانات غير المسبوقة في تاريخ العلاقات الدولية، فقد شملت هذه العاصفة كل الدول تقريباً، وتجاوزت الإدانات قائمة الدول الحليفة والصديقة والشقيقة إلى دول اعتادت أن تلتزم الصمت وعدم الاكتراث عندما تتعرض دول أخرى لهجمات إرهابية مماثلة؛ ما جعل البعض يتحدث عن حدوث انتفاضة دبلوماسية دولية ضد الممارسات الإجرامية للحوثي.
ومن الواضح أن الاعتداء الحوثي على الإمارات أعاد مجدداً، وبكثير من الإلحاح إلى واجهة الأحداث العالمية، كل التجاوزات الخطيرة التي ما انفكت ترتكبها الميليشيات في اليمن، والتي بدأ تهديدها للمدنيين وانقلابها على الشرعية في هذا البلد العربي، يتجاوز حدود الجغرافيا اليمنية، ليهدّد أمن واستقرار كل دول مجلس التعاون الخليجي التي ما زالت تبذل قصارى جهدها من أجل إعادة تثبيت أركان الأمن والاستقرار في اليمن، وتحرص على إعادة وحدة الدولة فيه، وعلى مساعدة السلطة الشرعية على بسط سيادتها على كل ترابها الوطني.
ويرى المراقبون الدوليون أن هذا الاعتداء يمثل بداية النهاية لميليشيات الحوثي، لأن العالم لن يقف مستقبلاً مكتوف الأيدي أمام مثل هذه الاعتداءات التي تهدد السلم الإقليمي والدولي، وتعرِّض حياة شعوب المنطقة لخطر حقيقي، لأن الإرهاب العابر للحدود يشكل تهديداً لكل دول العالم، ولا يمكنه، من ثم، أن يظل بعيداً عن المساءلة، وعن المحاسبة والعقاب أمام العدالة الدولية؛ وسيحظى الملف اليمني بلا ريب، باهتمام دولي لافت خلال الأسابيع والشهور المقبلة، لأن أمن واستقرار دول الخليج يمثلان أولوية كبرى بالنسبة إلى السياسة الدولية، ولدى صناع القرار في أكبر العواصم الدولية، من بكين إلى موسكو وواشنطن، مروراً بباريس ولندن، ولن يُسمح للسلوك الإجرامي الحوثي بأن يتقادم.
أما بالنسبة إلى إعلان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أمس الأول الأربعاء، أن حكومته تبحث مسألة إعادة تصنيف ميليشيات الحوثي، منظمة إرهابية دولية، بعد قيامها بتنفيذ اعتداءات دموية على دولة الإمارات العربية المتحدة، وعلى الرغم من أهميته السياسية والقانونية بالنظر إلى وزن وتأثير القرارات التي تتخذها واشنطن في الساحة السياسية العالمية سواء بالنسبة للدول، أو بالنسبة للمنظمات الدولية؛ فأن كل دول العالم باتت مقتنعة بأن تصنيف ميليشيات الحوثي منظمة إرهابية عابرة للحدود، يدخل في خانة تحصيل الحاصل، فهذه الميليشيات دخلت معترك الإرهاب العالمي منذ أن قرّرت أن تجعل من المواطنين اليمنيين دروعاً بشرية، وأن تهدد طرق الملاحة الدولية وتستعمل صواريخها الباليستية، وطائراتها المسّيرة للهجوم على المدنيين وعلى المنشآت الاقتصادية للإمارات والمملكة العربية السعودية.
ويمكن أن نستنتج عطفاً على ما تقدم أن الدول الكبرى والمنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية عندما تصنّف تنظيماً دولياً على قائمة المنظمات الإرهابية والإجرامية، فإنها لا تفعل في حقيقة الأمر سوى العمل على تسمية الأشياء بمسمياتها؛ فكل من يتعمّد ترويع المدنيين الآمنين هو إرهابي بالقوة وبالفعل، على حد سواء.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"