مصر.. عادت شمسك الذهب

00:28 صباحا
قراءة 3 دقائق

ليس مهماً تصنيف أحداث 25 يناير/ كانون الثاني 2011 في مصر على أنها ثورة جماهيرية أو انتفاضة شعبية أو مؤامرة كونية أو حالة هياج شعبي ضد نظام اعتبره الكثيرون قد شاخ وشاخت معه الدولة، ولكن المهم أن 25 يناير قاد إلى تغيير في مصر، ولكنه التغيير الذي لم يكن مستهدفاً من محركي الشارع؛ بل التغيير الضروري لاستعادة مصر. 
 نعم الجماهير العريضة التي امتلأت بها شوارع القاهرة والمدن المصرية المختلفة كانت صادقة، وكانت تردد «عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية» وهي لا تريد سوى ذلك، أما الذين يحركون الناس، فقد كانوا يبتغون السلطة بصرف النظر عن قدراتهم المحدودة، وعجز بعضهم عن إدارة شؤون حياته أو شؤون أسرته، بينما الذين امتطوا الشارع والثوار والناشطين، كانوا يستهدفون خطف الدولة وهدمها وإعادة بنائها على مقاسهم، ونجحوا في خطف الثورة من مشعليها، وخطف الدولة من شعبها، وعندما بدأوا تحقيق المراد، استفاق الشعب ونهض من غفوته، وبعد أن سلمها لهم طواعية، قرر أن يستعيدها مهما كان الثمن، ويسلمها لمن يأتمنهم عليها، ولذا كانت ثورة 30 يونيو ضد المتاجرين بالدِّين والساطين على مصر؛ ثورة تصحيح حتى لا تضيع الدولة، التي عجزت كل قوى الطمع والجشع والاستعمار عن طمس أي من معالمها على مدى آلاف السنين. 
 وفي الذكرى الحادية عشرة لأحداث يناير، فإن السؤال الذي يطرح نفسه.. هل كانت هذه «الثورة» ضرورة أم لا.. وهل أفادت مصر أم أضرتها؟
نعم، «25 يناير» كانت ضرورة، وأفادت مصر بشكل يفوق الخيال. ولا يمكن إنكار أن مصر كانت قد شاخت وترهلت، واستوطنها الفساد، وفقدت رونقها وفقدت الكثير من قيمتها السياسية في الإقليم وفي العالم، وكاد أن ينطفئ وهجها الحضاري، بعد أن أصبحت دولة بلا مشروع، فاقدة للحلم، وأصبح هدف سادتها أن يحيا شعبها بأقل القليل؛ بل وصل الأمر إلى حد العجز عن توفير حاجات الناس الأساسية، وباتت الطوابير على منافذ البيع والتوزيع مشاهد معتادة، سواء كانت هذه المنافذ تبيع خبزاً أو دجاجاً أو سكراً أو زيتاً أو خلاف ذلك. 
قبل 25 يناير ضربت العشوائية مصر، أحياء ومدناً، في الاقتصاد والطرق والقرارات، والنتيجة سلوكات وحياة عشوائية، وإذا كان الشعب قد سلّم بهذا الواقع، فقد كان ذلك لبعض الوقت، ولكن بعد أن ضاق ذرعاً بحياته كان من الطبيعي أن ينفجر بمجرد أن أطل عليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي من يحرضه على الثورة والتمرد والغضب. 
 11 سنة على ثورة يناير، بينها سنوات عجاف وسنوات سمان، سنوات عجاف أصبحت خلالها الأوضاع أكثر سوءاً عمّا قبل 25 يناير، وانقسم الشعب خلالها إلى فسطاطين؛ فسطاط يريد عودة مصر الحضارة والنهوض، وفسطاط يريد استكمال الهدم حتى يتحول العملاق التاريخي إلى قزم يمكن السيطرة عليه.. واليوم عادت مصر شمسك الذهب، واستيقظ المارد وأصبح لديه حلم؛ بل أحلام، ومنذ 7 سنوات والدولة المصرية لا تفعل شيئاً سوى أن تحلم وتعمل على تحويل الحلم إلى واقع.
 حلمت بوضع نهاية لموجة الإرهاب التي كانت تُكسّر في عظامها، وتخطف خيرة رجالها وتلاحق سياحها وتضرب دور عبادتها وتسعى إلى خلق فتنة بين أبنائها.. وتحقق الحلم وأصابت الإرهاب بالعجز بعد أن هربت عناصره إلى الخارج، للاحتماء بمن لا يريدون لها ولا للمنطقة العربية أي خير، حلمت بطرق عالمية وتحقق الحلم بسرعة غير مسبوقة، حلمت بوقف نزيف القطارات، وتحقق بتجديد شبكة السكك الحديدية، واستحداث طرق جديدة تزيد أطرافها ارتباطاً بالمركز، مع تزويدها بأحدث قطارات صديقة للبيئة، وحلمت بمدن للمستقبل وها هو الحلم يتحقق ب22 مدينة جديدة بينها عاصمة ستكون مصدر تباهٍ وفخر لأبنائها، وحلمت بتيسير الانتقال من مصر إلى سيناء، وتحقق بشبكة أنفاق وجسور غير مسبوقة، وحلمت بتوسيع رقعتها الزراعية وتحقق ذلك بالخروج من وادي النيل إلى الصحراء الواسعة؛ لاستصلاحها وزراعتها؛ وتحقيق الاكتفاء الذاتي في محاصيلها الاستراتيجية. 
مصر تغيّرت، والفضل يعود إلى 25 يناير وإلى الثورة التصحيحية في 30 يونيو، واليوم أصبح للدولة حلم كبير يمتد على كل مساحتها طولاً وعرضاً، وما تحقق هو جزء، ولكي يكتمل تحقيق الحلم، فلا بد من بقاء حالة العمل الدائم على امتداد المستقبل.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"