عادي

ميكروبات الأمعاء و«كورونا»..علاقة غير متوقعة

22:38 مساء
قراءة 4 دقائق

إعداد: خنساء الزبير
يتعايش البشر مع ميكروبات متنوعة تعيش داخل الأمعاء لديهم وتزدهر فيها ولكنها لا تتسبب لهم في أي ضرر؛ بل في بعض الحالات تفيد الصحة بطريقة ما. يحتفظ الجسم بهذه الكائنات الحية الدقيقة على الجلد، وداخل مجرى الهواء، وفي جميع أنحاء الجهاز الهضمي وخاصة بالأمعاء. تتواجد هذه الكائنات بأعداد مهولة وتختلف أنواعها ما بين البكتيريا والفطريات والفيروسات، والتي تتعايش بشكل طبيعي داخل الجسم.

أخذت هذه الأحياء الدقيقة أهمية خاصة من البحث العلمي في الوقت الحالي من الجائحة لمعرفة مدى تأثيرها وتأثرها بفيروس كورونا، ومن منهما يتغلب على الآخر. يبدو أن بعض نتائج الدراسات معاكسة لما هو متوقع؛ حيث أظهرت بعض أنواعها فائدة في الحد من آثار كوفيد-19 الناجم عن الإصابة بالفيروس.

الوباء حافز

كان باحثو جامعة روكفلر مهتمين بالفعل بالجزيئات الصغيرة التي تنتجها البكتيريا التي تعيش داخل الأمعاء ومدى تأثيرها في خلايا الجسم والكائنات الحية المتعايشة مع الميكروبيوم؛ لذلك عندما ضرب الوباء بعض المدن قاموا بتوجيه مختبراتهم المتنوعة لدراسة تفاعلات الفيروس مع تلك الجزيئات.

طرح العلماء هذا السؤال: هل يمكن للميكروبيوم البشري أن ينتج مستقلبات، أو جزيئات صغيرة، تمنع نمو الفيروس؟ في مقال نشرته مجلة «إم اسفير» أفاد باحثو جامعة روكفلر للجزيئات الصغيرة المشفرة وراثياً حاولوا الإجابة عن هذا السؤال.

على الرغم من أن آلاف البكتيريا المختلفة التي تشكل الميكروبيوم البشري فإنهم اختاروا دراسة مجموعة تمثيلية متنوعة من 50 نوعاً من البكتيريا. قاموا بذلك عن طريق عزل مركباتها وفحص خصائصها المضادة للفيروسات في الثقافات المختبرية للخلايا.

تأثير إيجابي

من خلال الأبحاث المخبرية وجد العلماء أن 10 أنواع من البكتيريا تقلل الالتهاب الفيروسي الناجم عن فيروس كورونا بنسبة %10. قاموا بعدها بتصفية هذه المجموعة لتشمل فقط البكتيريا التي تثبط نواتجها الاستقلابية نمو الفيروس بنسبة تزيد على %90.

حدد الباحثون 3 مستقلبات رئيسية ذات نشاط مضاد للفيروس؛ وهي: (بيرازين) مركب حلقي غير متجانس، عضوي عطري) يسمى (3-إندوليل ميثيل) 2.5، وناهض مستقبلات هيدروكسي5 يسمى تريبتامين، ومركب آخر من الأدينوزينات. درس الباحثون هذه المستقلبات النشطة ال3 المشتقة من الميكروبيوم المضادة لنشاط مجموعة من فيروسات الرنا إضافة إلى فيروس كورونا الموسمي، وفيروس الحمى الصفراء، وفيروس نظير الإنفلونزا البشري 3.

من بين هؤلاء، أظهر المركب الأدينوزيني أوسع نشاط مضاد للفيروسات، أما التريبتامين فقد قام أيضاً بنشاط مثبط لفيروسات كورونا، وللبيرازين طيف مشابه ومحدود قليلاً مقارنة بالمركب الأدينوزيني. من بين النتائج المهمة الأخرى. ربما تكون هذه أولى نتائج دراسة تجد جزيئات معينة ذات نشاط مضاد للفيروسات ينتجها الميكروبيوم البشري.

تشابه مع العقاقير

اكتشف الباحثون جوانب مذهلة لهذه المستقلبات. تمتلك المستقلبات ال3 النشطة أوجه تشابه مع 3 مركبات صناعية لاحظ العلماء أن لها خصائص مضادة للفيروسات.

من الجيد أن هذه المركبات هي عوامل معتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ما يعني أنها خضعت للاختبار إما في تجارب سريرية لكوفيد-19 وإما من خلال دراسات قائمة على الملاحظة. حدد الباحثون المحاكاة التالية بين الطبيعة والمستحضرات الصيدلانية: يشبه المركب الأدينوزيني من الناحية الهيكلية عقار ريمديسفير، وهو دواء يستخدمه الأطباء لعلاج بعض الحالات الشديدة من كوفيد-19. يشبه التربتامين السيروتونين، والعقار فلوفوكسامين مثبط امتصاص السيروتونين الانتقائي هو دواء يستخدمه الأطباء عادة لعلاج الوسواس القهري. أما البيرازين فهو يوازي الجوانب المركزية لهيكل «فافيبيرافير» وهو دواء مضاد للفيروسات يؤخذ عن طريق الفم تختبره التجارب السريرية كعلاج للحالات الخفيفة من هذا المرض ومقارنته مع ريمديسفير لعلاج الحالات المتوسطة.

هناك سبب للاعتقاد بأنه قد تكون هناك كيمياء جديدة؛ فهي بيئة جديدة؛ حيث تتفاعل البكتيريا مع الجسم البشري، وهي تختلف تماماً عن البكتيريا الموجودة في البيئات الأخرى مثل بيئة التربة، والتي تأتي منها العديد من الأدوية المستخدمة اليوم.

هيمنة ميكروبية

فيما يتعلق بكيفية تفاعل الكائنات الحية تلك التي تعيش بالأمعاء مع جسم الإنسان يقول باحثون في جامعة ميسوري في كولومبيا إن النتائج لم تكن غير متوقعة ولكنها لا ينبغي أن تكون مفاجئة لأنه داخل نظام بيئي مثل الميكروبيوم ستكون هناك منتجات ميكروبية تقيد هيمنة الميكروبات الأخرى مثل تمكين التوازن والتعايش السلمي. عندما يظهر غزاة جدد فإن مثل هذه الأنظمة المطورة تدريجياً سوف تتجمع إما للقضاء على الغزاة وإما للسماح بدمجها في النظام البيئي الخاضع للسيطرة مثل عدم تعريض بقية المجتمعات التي تعيش هناك للخطر.

يرى العلماء أن من خلال استكشاف المركبات المعينة المشتقة من الميكروبات التي تظهر نشاطاً فعّالاً مضاداً لفيروسات كورونا يمكن ابتكار مواد كيميائية مشابهة قابلة للاستخدام للسيطرة على هذا الوباء. من ناحية أخرى يمكن أن تمنح هذه النتائج للعلماء فهماً أفضل لما إذا كانت الميكروبيومات التي يمكنها إنتاج هذه المركبات المحددة تمكن مقاومة محددة للعدوى وتعدل قابلية الفرد للإصابة بالأمراض التي يسببها فيروس كورونا الجديد.

كانت الفكرة هي استكشاف ما إذا كان الميكروبيوم البشري ينتج جزيئات قد تمنع العدوى الفيروسية، وأشارت النتائج إلى أنها تنتج بالتأكيد عدداً من هذه الجزيئات. ومع ذلك، في هذه المرحلة، لا يمكن معرفة ما إذا كان هناك أي دور بيئي للميكروبيوم في السيطرة على العدوى أو تخفيفها من خلال هذه الجزيئات.

اختلال التوازن البكتيري

فيما يتعلق بتركيبة جسم الإنسان يقول العلماء إن خلاياه لا تمثل أكثر من النصف تقريباً فيما يتضمن النصف الآخر عدداً لا يحصى من الكائنات الحية الدقيقة التي تشكل الميكروبات وطالما يوجد توازن صحي فهي تساعده ولا تضره. تلعب مجموعات الكائنات الحية الدقيقة في مناطق مختلفة في الجسم دوراً مهماً في المساعدة في الحفاظ على صحته ولكن على الرغم من ذلك يجب أن تظل أعداد الأنواع المختلفة من البكتيريا والفطريات والكائنات الدقيقة الأخرى في حالة توازن مثالي.

عندما يختل هذا التوازن، على سبيل المثال تكاثر أحد أنواع البكتيريا، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الالتهاب ومشاكل صحية أخرى. تشير الدراسات إلى أن الجهاز الهضمي البشري يضم مجموعة كبيرة من البكتيريا والطفيليات الأخرى التي تلعب أدواراً مهمة في استقرار الأمعاء، مما يساعد في المحافظة على صحة الجهاز الهضمي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"