أصحاب الفتنة

00:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

إذا أردت أن تتعرف إلى جماعة فما عليك سوى الابتعاد عن شعاراتها المعلنة ومواقفها السياسية والعقائدية والاجتماعية في وسائل الإعلام واللقاءات الجماهيرية، وأن تقترب أكثر من منظومتها الفكرية والعقائدية. ولا يغرّنك الخطاب الذي يبدو متسامحاً ومنسجماً مع توجهاتك الإنسانية، والجأ إلى الخطاب السابق أو الأسبق من قيادات وعلماء وأئمة ومرشدين، ستجد هناك الحقيقة الدامغة المستندة إلى أقوال وصور وأصوات. فجماعات كثيرة، تنظيمات أو أحزاب، تستند إلى فكر مسكوت عنه من قِبلها أو مؤيديها، لكن بحثاً قليلاً في الشبكة العنكبوتية سيكشف لك حقيقتها، وسيتّضح لك أن الحقيقة لديهم ليست واحدة، ما يجعل التناقض سمة رئيسية، وهذا الإنكار لما جاء به السابقون أو عدم الاعتراف به، ما هو إلا أسلوب يقترب من «التقية» التي تضمر أكثر مما تظهر.

 اليمن، هذه الدولة العربية التي يسمّونها أصل العرب، لم يهنأ شعبها بحياة مستقرة يستحقونها منذ مئات السنين، وتعيش صراعات بين القبائل منذ زمن بعيد، يعيده المؤرخون إلى ما بعد المملكة السبئية وممالك أخرى بقليل، وبعد زوالها آلت السلطات إلى القبائل، التي ما زالت تتصارع حتى يومنا هذا. 

ويرجح المتتبعون أن يبلغ عدد قبائل اليمن 200 قبيلة، والبعض يقول 400 قبيلة، جميعها مسلحة وتسوّي أوضاعها بالسلاح. وحده الرئيس علي عبدالله صالح استطاع أن يسكت النزاعات في عهده الذي امتد إلى أكثر من ثلاثين عاماً، وكان سكوتاً «على مضض»، ونجاحه يعود إلى تحالفاته المتناقضة مع الجميع، مرة مع بقايا الأئمة ومرة مع الحوثيين، حتى إذا ما تنازل عن السلطة ظاهرياً، شبّ النزاع ثانية، وتواصل النزاع أكثر شراسة حين خرج من الساحة السياسية والحياة بقتله.

انقلب الحوثيون على الرئيس عبد ربه منصور، وكان الانقلاب (للتذكير فقط) عندما بدأ مؤتمر الحوار الوطني بمشاركة عدة أطراف بما فيهم جماعة أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي، وبينما كان ممثلو الطرفين السابقين في الجلسة الحوارية الوطنية يدلون بآرائهم بشأن مستقبل اليمن، كانت القيادة الفاعلة للحوثيين، تحضّر لمعركة في محافظة عمران بالتنسيق مع المؤتمر الشعبي العام، لملاحقة عبدالله الأحمر، وهو زعيم قبيلة حاشد، أكبر قبيلة في اليمن، بعدها استولوا على مراكز نفوذه في المحافظة، واجتاحوا معسكراً فيه فرقة مدرعة تابعاً لعلي محسن الأحمر، ثم تقدّموا باتجاه صنعاء واحتلوها في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وهاجموا منزل الرئيس هادي في 19 يناير/كانون الثاني 2015، وحاصروا القصر الجمهوري الذي كان يقيم فيه رئيس الوزراء، واقتحموا معسكرات الجيش ومجمع دار الرئاسة ومعسكرات الصواريخ الموالية لصالح، وهو ما سُمّي بالانقلاب على الشرعية.

 وقد أراد الحوثيون من وراء القضاء على عائلة الأحمر القضاء على قيادة أكبر عشيرة في اليمن، وتضم قبائل عديدة، وطرح أنفسهم بديلاً على المستوى المذهبي والفكري والسياسي؛ لإيمانهم أن الحكم في اليمن يجب أن يكون لمرشدهم. ويشبه هذا ما حصل في مصر حين تسلّم الرئيس الراحل محمد مرسي الحكم، صورياً، بينما كان تنظيم «الإخوان المسلمين» الممثل بالمرشد هو الذي يحكم. ونحن هنا لا نفترض انتماءهم ل«الإخوان المسلمين»، لكنهم يشبهونهم بقدر كبير في سياساتهم وشعاراتهم الكاذبة، ووجه الشبه الأكبر هو الإيمان بعودة الخلافة للمسلمين، وهنا يتقاطعون مع تنظيم «داعش» مع اختلاف التكتيكات. لكن هناك نقطة أخطر من استعادة الخلافة وتتجاوزها إلى الغضب على الخلافة السابقة، أي على الخلفاء الراشدين، ولنا في خطابات وتصريحات حسين بدر الحوثي المثال على ذلك، ولا بأس من وضع رابط على اليوتيوب يؤكد ما ذهبنا إليه: موقف حسين الحوثي من سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

 لن نتوسّع أكثر في الحديث، لكننا ونحن نتابع ما يقوم به الحوثيون في المنطقة، من استهدافات واعتداءات واستدراجات إلى حرب إقليمية شاملة، يؤكد أن لهم مشروعاً أكبر من الجغرافيا التي ينطلقون منها، يشبه المشروع الذي تتبناه بعض القوى في المنطقة، والتي تتحالف مع الحوثيين، من أجل زعزعتها وإقامة خلافة تعيد تصويب التاريخ! وهو مشروع يحمل في طياته فتنة كبيرة، إذا ما أطلت برأسها وأعلنت عن أهدافها، فإنها ستفجّر المنطقة بأكملها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"