الاستعداد لعالم الكبار

21:49 مساء
قراءة دقيقتين

د. باسمة يونس

يلعب أدب الأطفال دوراً حاسماً في تعليمهم ونضجهم، بتوفيره المعرفة والترفيه التربوي اللذين يعززان التنمية الشاملة للصغار، كما يبدأ تعلم اللغة العربية والقيم الإنسانية بكتب الأطفال. وخاضت كتب الطفل المعاصر تغييراً شاملاً في ظل الحضور الرقمي ما جعل قراءتها تتطلب تأهيل الأطفال بالعديد من المهارات لفهم النصوص المعززة بالفنون المرئية والموسيقى والدراما بفاعلية تتناسب مع عالم دائم التغير.

وغيرت الموارد التكنولوجية طريقة توصيل المعلومات، بحيث أصبح لزاماً، إعداد الأطفال لفهم المعلومات من جميع أنواع النصوص التي تنمي مهارات القراءة والكتابة بخاصية جديدة في الأسلوب والتنسيق، وتمثيل الرسائل بطرق متنوعة بحيث لا يفهم الأطفال اللغة المكتوبة فحسب؛ بل يفهمون اللغة المرئية والعلامات والرموز الأخرى كذلك.

ومع التطورات التي شهدها أدب الطفل العربي الحديث سواء من ناحية زيادة جودة النص والرسوم التوضيحية، أو اتساع المواضيع وعلى الرغم من استفادته من التقنيات التكنولوجية، فإنه لا يزال يتعرض للانتقاد بأنه لا يلهم الصغار ولا يقرّبهم من حب اللغة العربية، وبحاجة لإعادة نظر في مواضيعه لتشمل كتباً مسلية ومناسبة لكل عمر وغنية بالرسوم التوضيحية ومتوازنة في ما يتعلق بالأنواع، وخيالية وإبداعية.

ويرى البعض أن تطوير أسلوب أو أداة تقديم القصص أو المعلومات للأطفال ليس مفيداً في ظل استمراره في تقديم محتوى توجيهي يقوّض مخيلات الصغار ويحجم مرونة التفكير، ويحرمهم مهارات التحليل النقدي والذات الإيجابية، أو يضللهم بأفكار مغلوطة عن العالم من حولهم.

ولكي يحترم الكتاب الجيد عقل الطفل، عليه القيام بمهمته التعليمية على خير ما يرام عبر تقديمه نصوصا عن أشخاص مثله وعائلات مثل عائلته وكذلك عن الأشخاص المختلفين عنه وعن أسرته، وابتعاده عن التحيز واتاحته للطفل فرص تجربة العالم قبل أن يخرج إليه واستخدام مخيلته قبل أن يحدث له ما سيحدث في الحياة الواقعية والاسهام في إعداد الأطفال لمرحلة النضج التالية، والاستعداد بشكل غير مباشر لعالم «الكبار».

ومن المهم أن يساعد أدب الطفل العربي الصغار على فهم أنفسهم ومعرفة من يكونون، ويعزز ثقتهم بها ويساعدهم في معرفة إلى أين يريدون الذهاب، كما يعاونهم على الانفتاح وتجاوز الانغماس في الذات ويشجعهم على التواصل مع الآخرين وفهم وجود وجهات نظر متعددة، وأن هناك أكثر من طريقة لمشاهدة العالم، كما يحضهم على بناء الروابط وتوسيع قدراتهم على التعاطف وفهم الآخرين ورسم مساراتهم الأخلاقية والتفكير في الصواب والخطأ والخير والشر، وتحديد أولويات حياتهم ومجموعة القيم الخاصة بهم.

وتبقى كتب الأطفال دائماً وأبداً مصدراً لا يقدر بثمن للمعلومات والقيم التي تساعد في إعداد الصغار لمرحلة النضج التالية والتهيؤ بشكل غير مباشر لعالم الكبار، ما يؤكد أهمية أن تعكس مواضيعها مواقف المجتمع حول العلاقات والتوازن بين الجنسين والهويات الاجتماعية المختلفة، وتراعي جودة مضامين رسائلها المرئية واللفظية ذات التأثير الهائل في الأطفال الصغار وانعكاسها على أفكارهم عن أنفسهم والآخرين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"