عادي
على هامش الحكاية

تعرف إلى شرايين الأرض المفتوحة

23:52 مساء
قراءة دقيقتين
3003

لا تخلو صفحة من كتاب «الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية» لإدواردو غاليانو (1940-2015)، من قوائم، وأشياء توضع مرصوصة بجوار بعضها البعض، حتى تقسيم الكتاب الشكلي الذي يخلو من الفصول والأبواب، مجرد قسمين الأول عن تاريخ النهب الاستعماري الغربي لأمريكا اللاتينية والثاني عن إفقارها في القرن العشرين، أما كل قسم فيتكون من حوالي 200 صفحة من السرد المتواصل الذي تقطعه عناوين فرعية، ويجعلنا غاليانو نلهث تحت كل عنوان وراء معدوداته للأشياء المنهوبة، في الكتاب نحن أمام صور متلاحقة حول أنهار ومناجم وغابات الذهب والفضة، والملايين من سكان الأرض الأصليين الذين قتلوا، وملايين العبيد الذين عملوا وماتوا في صناعات السكر والمطاط والقطن والقهوة.

يحاول غاليانو ألاّ ينسى شيئاً في جرده لأمريكا اللاتينية: الملوك الأوروبيون الذين مولوا حملات الاستكشاف مدعومون ببيوت المال والمرابين. المغامرون وخلفياتهم وقصصهم وحواديتهم وتكوينهم النفسي والخلقي، السفن والموانئ، لحظة وصول المستعمرين إلى الأرض الجديدة، وصف الغابات والهضاب والتلال والجبال والمراعي. والسكان الأصليون وحضاراتهم وأعدادهم وممتلكاتهم ومبادئهم وقيمهم وحياتهم، رصد مفصل لمراكز الثروة، والحروب والثوار والمتمردين والمدن التي لُعنت لسبب ثروتها الهائلة مثل بوتوسي البوليفية، أساليب المستعمر في استخراج الثروات وسرقة المعادن الثمينة، وبعد نضوبها سرقة الأراضي الزراعية وعمل سكان البلاد الأصليين الذين مات أكثر من ثلثهم في قرن واحد نتيجة للقتل أو الأوبئة التي حملها الرجل الأبيض معه، فضلاً عن سرد لثورات بالماريس وخوسيه أرتيغاس وزاباتا.

لقطات غاليانو ذكية: أسطورة الملك الذي يسبح في الذهب، حساب فانتازي للفضة المنهوبة من أمريكا اللاتينية والتي يمكن أن يصنع البشر منها جسراً فضياً بين أوروبا والأرض الجديدة، حظائر العبيد والعاملين والهنود، الجدل اللاهوتي حول سؤال هل يمتلك الهندي الأحمر روحاً؟ ظاهرة أكل الأطفال للطين لتعويض المعادن، الأرستقراطيات الغربيات اللواتي كن يتنزهن بصحبة كلب وطفل عبد، جلد العبدة الحامل بوضعها في حفرة بحيث تكون بطنها لأسفل حتى لا يموت الجنين العبد.. رأسمال المستقبل، أحد المستبدين يشعل سيجاره دائماً بورق نقدي، تدمير زراعة البن للأرض البرازيلية، مقولة أحد الإقطاعيين «إن قتل نملة جريمة أكبر من قتل عبد»، تطور أرباح السادة من الذهب إلى الفضة إلى السكر إلى الكاكاو إلى المطاط إلى البن إلى الموز إلى الاستثمار في مخلفات الطيور لتوفير النترات والسماد وتصديره لإعادة إخصاب الأرض الأوروبية.

للأرض ذاكرة عند غاليانو، باطن الأرض بصفة خاصة، والذي ينقب فيه غاليانو خلال القرن العشرين في القسم الثاني من الكتاب، حيث اللهاث الأمريكي وراء الحديد والنحاس والتنجستين والرصاص والزنك واليورانيوم والبوتاسيوم، فأطلقت الولايات المتحدة المشروعات الجوية والفضائية التي مسحت كل مليمتر في أمريكا اللاتينية، ووجدت ثروة لا نهائية من هذه المعادن تتركز في إقليم الأمازون، لتستفيد منها في الصناعات الحربية والصناعات الثقيلة في أمريكا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"