عادي
اختبار «نتفليكس» متقن فنياً مفتعل مضموناً

«أصحاب ولا أعز».. بالون يهز الثوابت

22:03 مساء
قراءة 5 دقائق

مارلين سلوم
بارعة «نتفليكس» في إطلاق بالونات الاختبار قبل أن تحكم ضربتها فتصيب المجتمع في الصميم. منذ مدة وهي تمهد الطريق أمام «الشذوذ الجنسي». هذه المنصة تمرر الأفلام الأجنبية بسلاسة وفيها من الشذوذ ما يكفي لنفهم الرسالة، لكننا لم نتوقع أن تكون خطوتها التالية إنتاج فيلم عربي يدافع عن الشذوذ بشكل صريح ومباشر، فيُحدث خلخلة في المجتمع ويثير بلبلة، وهي تراهن على هدوء العاصفة لتأتي الضربة الثانية بأقل ململة من الجمهور ثم تتوالى الأعمال وتثبت الفكرة ويصير المرفوض مقبولاً، و«لم لا»؟ تصبح سائدة. فيلم «أصحاب ولا أعزّ» المتقن فنياً من كافة النواحي، والمتقن أيضاً في «ضربة المعلم» ليكون المسمار الأول في عملية التطبيع في عمق المجتمعات العربية.

لماذا أخذ «أصحاب ولا أعزّ» كل هذه الضجة؟ لماذا هاج المجتمع وماج واستنكر من استنكر ودافع من دافع عن عمل فني جمع كوكبة من النجوم البارعين في التمثيل، القادرين على جذب أكبر عدد من الجمهور؟ لنتوقف عند «أكبر عدد من الجمهور» لأنها هي الهدف الأساس من اختيار هذه المجموعة، فالكل يعرف أن اسم منى زكي صار وحده «ترند» وقادراً على كسب ودّ الجمهور واستقطابه لأي عمل تقدمه خصوصاً بعد نجاحها اللافت في «لعبة نيوتن» العام الماضي، كذلك نادين لبكي المخرجة المميزة التي عرفت كيف تصل إلى العالمية، وجورج خباز العبقري في التأليف والتمثيل والمسرح، وعادل كرم ودياماند بو عبود وربما أقلهم شهرة على الصعيد العربي وليس في لبنان هو فؤاد يمين. هكذا ضمن منتج ومخرج العمل وصول الفيلم إلى جمهور هؤلاء النجوم أولاً، وبالتالي ضمن أن الجرأة الكبيرة في طرح عدة قضايا خارجة عن المألوف ستأخذ نصيبها من الشهرة وستصبح سريعاً «ترند» يتحدث عنه الجميع، والاستنكار والغضب سيدفعان البقية الباقية من الناس إلى الاشتراك عمداً في «نتفليكس» لمشاهدة الفيلم ومعرفة ما الجرم الذي اقترفته منى زكي وما الوقاحة التي يتحدثون عنها ومن هو «الشاذ».

صورة مكتملة

المخرج وسام سميرة زميل نادين لبكي من نفس دفعتها الجامعية، شارك غبريال يمين في كتابة النسخة المعربة من الفيلم الإيطالي الأصل «بيرفكت سترينجرز»، وخاض به غمار الإخراج السينمائي الأول له. عملياً، نجح وسام في تقديم صورة فنية مكتملة، رغم صعوبة التصوير في مكان واحد طوال مدة الفيلم، وفي ليلة واحدة، وإدارة مجموعة من الممثلين المحترفين. ميزة الفيلم أنه جاء أشبه بملعب كرة كل لاعب محترف يرمي الكرة للآخر و«الماتش» حامٍ طوال الوقت بلا هدنة أو استراحة. كل الممثلين أدوا أدوارهم بإتقان وكل على طريقته الخاصة ما يعكس عدم تدخل المخرج في توجيههم إلا في العموم معتمداً على العفوية والأداء الشخصي لكل ممثل. الحوار رشيق وسلس ولكن هنا نصل إلى بيت القصيد وإلى القصة التي قلبت الدنيا لأنها تريد أن تقلب المعايير سواء بعلم من شارك من الممثلين في هذا العمل أم من غير علمه.

هي قصة مجموعة أصدقاء منذ الطفولة يجتمعون على العشاء في بيت أحدهم، ثلاثة أزواج وصديق أعزب. سبعة أشخاص المفروض أنهم يعرفون كل شيء عن بعضهم، لكن هذا اللقاء في ليلة خسوف القمر حيث يحجب النور عنه ليظهر على حقيقته، تتكشف حقائق كل الأصدقاء وأسرارهم التي يخفونها عن بعضهم، بل حتى يخفيها كل زوج عن زوجته وبالعكس. تقترح مي (نادين لبكي) أن يلعبوا لعبة من منطلق أن الهواتف المحمولة صارت تحمل الكثير من الأسرار وتخرب البيوت أحياناً، لذا عليهم أن يتركوا هواتفهم على الطاولة وأي رسالة أو اتصال يرد لأي كان عليه أن يقرأها ويرد علانية أمام الجميع، ليثبتوا أنهم لا يخفون شيئاً ولا يخجلون من أي سر في حياتهم. اللعبة تكشف كل المستور، خيانات بالجملة، زياد (عادل كرم) العريس الجديد يخون عروسه جنى (دياماند بو عبود) مع مي (نادين لبكي) زوجة صديق الطفولة وصديق العمر وليد (جورج خباز) الذي يتبين أنه يعلم ولا يواجه زوجته بالحقيقة، كما يعلم بخروج ابنته المراهقة مع أحد الشبان وإقامة علاقة معه ولا يواجهها بالممانعة الصريحة.

شريف (إياد نصار) يخون زوجته مريم (منى زكي) ويتلقى رسائل وصوراً إباحية على هاتفه بينما علاقته الزوجية ميتة منذ أكثر من سنة، ومريم لجأت إلى التواصل الاجتماعي للدردشة مع رجل لا تعرف عنه إلا اسمه ولم تلتق به يوماً أو تتصل به. إلى هنا يمكن الوقوف عند عبارات قيلت وجرأة في الألفاظ لكنها لا تشكل عبئاً على كاهل المجتمع لأنه في الواقع يسمع ويرى الكثير منها، رغم استهجانه وجودها على الشاشة. ما يستوقفنا كثيراً هو الشخص السابع في الفيلم ربيع الذي جسده فؤاد يمين. لا نفهم سبب حشره في الفيلم سوى إقناع الجمهور بأن هذا الشاذ جنسياً شاب «محبب طيب القلب رياضي يتصرف ببراءة كأنه طفل»، لذا علينا أن نتعاطف معه ونذرف الدموع بسبب رفض بعض الأصدقاء له حين اكتشفوا حقيقة ميوله!

المشكلة الحقيقية

ليست المشكلة في اقتباس أعمال أجنبية وتعريبها، إنما المشكلة الحقيقية في المشاركة في الترويج لأفكار يرتضيها الغرب من منطلق الحرية الشخصية عبر الفن الناعم اللذيذ الطعم الذي يدخل كل بيت وكل عقل بكل سهولة. لماذا نسمح اليوم بالترويج لانتشار الشذوذ في المجتمعات العربية وهي دعوة صريحة لتقبل إعلانهم ميولهم غير الصحيحة ولا صحية، وكأنها خطوة تجعل من مجتمعاتنا أكثر تحضراً وانفتاحاً ووعياً. ليس جديداً على السينما العربية وجود شخص ذي ميول شاذة فيبدو «مخنثاً» بشكل كوميدي، أو يكون منبوذاً مثل «رشيد» في فيلم «عمارة يعقوبيان»، إنما «أصحاب ولا أعزّ» هو حالة دفاع هدفها المباشر وتأثيرها اللاحق سيكون تطبيعاً مع الشذوذ الجنسي. وإذا عدت إلى معنى «التطبيع» ستجده «جعل العلاقات طبيعية بعد فترة من التوتر أو القطيعة لأي سبب كان، حيث تعود العلاقة طبيعية وكأن لم يكن هناك خلاف أو قطيعة سابقة.. والتطبيع في علم الاجتماع أو التطبيع الاجتماعي فهو العملية التي يتم من خلالها اعتبار الأفكار والسلوكيات التي قد تقع خارج الأعراف الاجتماعية على أنها طبيعية». هذا التطبيع الذي يبدأ بفيلم من هنا وآخر من هناك، يمهد الطريق لانتشار «الحرية الجنسية» بكل أشكالها و«على عينك يا تاجر» والسلام على كل القيم وخصوصيات مجتمعاتنا التي نعتز بها ونعتبرها كنوزاً لا يجب التفريط بها، ولن نكون متخلفين إن لم نسلك سلوك الغرب في ما يلبسونه زي الحرية ليبيحوا من خلاله أي شيء وكل شيء.

في حوار سابق للمخرج سميرة وقبل البدء بتصوير فيلمه، قال إنه متحمس «لأن موضوع الفيلم جريء ويقارب موضوعات شائقة لم يسبق أن تمت معالجتها في أفلام عربية أو لبنانية». وأضاف «المنتجون جان لوكا شقرا وماريو حداد ومحمد حفظي يعشقون السينما ويريدون الأفضل، ومع المنتجة المنفذة ميادة الحراكي تكتمل الصورة.. وكلهم يتمتعون ببنية المغامرين الذين لا يخافون من اتخاذ موقع الهجوم في العمل، بحيث لا شيء يثنيهم عن تحقيق أحلامهم وأهدافهم».

مفيدة الجرأة في الفن والخروج عن القوالب الجاهزة والأفكار المكررة، والجرأة في كشف مشاكل وأسرار في العلاقات بين الناس والأزواج وداخل العائلات هو أساس العمل الدرامي الاجتماعي، لكن عن أي مضمون نتحدث؟ لذا، ليس من المفيد توجيه التركيز في حملات هجوم الناس عبر وسائل التواصل على الفنانة منى زكي لأنها اختارت المشاركة في الفيلم، بل المفروض التركيز على ما يريد قوله الفيلم ولمن يتوجه وما هي الخطوات الإنتاجية التالية التي ستهل علينا من نتفليكس وربما يلحقها آخرون.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"