عادي

«داعش» يعود إلى الحياة

22:07 مساء
قراءة 4 دقائق
syasi113

د. محمد فراج أبو النور*

تطور خطير شهده نشاط «داعش» في سوريا والعراق خلال الأيام الأخيرة، فخلال يوم واحد (الخميس 20 يناير الجاري) شن التنظيم هجومين كبيرين، أحدهما في محافظة ديالى شرق العراق، أسفر عن مصرع أحد عشر جندياً في موقع عسكري، وهجوم آخر على سجن «غويران» في مدينة الحسكة السورية شرقي الفرات. وتمكن المهاجمون من اقتحام السجن والسيطرة على أجزاء كبيرة منه، قبل أن تتم استعادته بعد معارك استمرت خمسة أيام.

الهجومان، في وقت متزامن، رغم بعد المسافة بينهما، يشيران إلى تنامي قدرات«داعش»، لكن ما يلفت النظر بصورة أكبر هي دقة التنظيم، حيث تمكنت القوات المهاجمة في ديالى«العراق» من إبطال عمل كاميرات المراقبة المحيطة بالثكنة العسكرية، ثم شنت هجومها وقت نوم الجنود لتقتلهم جميعاً.

أما بخصوص سجن«غويران» فقد تمكن «داعش» من حشد عدد كبير من المهاجمين في المنطقة المحيطة بالسجن، وكانت قد أدخلت كميات كبيرة من السلاح إلى المعتقلين داخله قبل الهجوم، ما يشير بصورة مؤكدة إلى اختراق في منظومة حراسته، أو ربما في منظومة استخبارات«قسد» كلها.. وسمح عدد الإرهابيين المهاجمين وأولئك الذين أمكن إطلاق سراحهم في البداية، بالانتشار في الأحياء المحيطة بالمعتقل واتخاذ أعداد من المدنيين فيها كرهائن أو دروع بشرية، فضلاً عن الدروع البشرية من حراس المعتقل، وهو الأمر الذي جعل استعادة السيطرة على السجن عملية شديدة التعقيد استغرقت خمسة أيام من القتال، وسقط نتيجة لها مئات من القتلى والجرحى، حسب تقديرات متفاوتة، لا يقل أدناها عن مئة وخمسين، بينما استمرت بعدها عملية تمشيط الأحياء المجاورة التي تحصن فيها المقاتلون الإرهابيون.

«داعش» لم ينته

معروف أنه بالرغم من القضاء على ما يسمى ب«الدولة الإسلامية في العراق والشام» والهزائم الساحقة التي لحقت ب«داعش» وخاصة في معركتي المواصل (2017) والباغوز (2019) وقتل وأسر عشرات الآلاف من مقاتليه، فقد تمكن آلاف آخرون من الفرار من ميادين المعارك، بينهم عدد من العناصر القيادية، فضلا ًعن المئات الذين نقلتهم طائرات مروحية أمريكية إلى جهات غير معلومة.

وتمكن هؤلاء تدريجياً من إعادة تجميع وتنظيم آلاف من أعضاء«داعش» في بادية العراق، وبادية شرق وشمال شرق سوريا (وخاصة دير الزور والحسكة والأطراف الشرقية لمحافظة حمص) كما تسللت أعداد منهم إلى إدلب، وانضم بعضهم إلى التنظيمات المتطرفة التي انتقلت إلى الجيب التركي (الممتد بين رأس العين وتل أبيض) شرقي الفرات، واستغلوا في ذلك التضاريس الوعرة لهذه المناطق. كما استفادوا من البيئة الاجتماعية العشائرية الحاضنة للاختفاء في صورة تجمعات صغيرة (وخلايا نائمة) والإعداد لشن الهجمات الإرهابية في سوريا والعراق، وبصورة أكبر من الجانب السوري من الحدود.

علماً بأن المساحات الشاسعة ووعورة التضاريس تتيح لهم التنقل بين جانبي الحدود بسهولة نسبية.. كما أن قاعدة«التنف»الأمريكية على رأس مثلث الحدود الأرمنية- السورية- العراقية تمثل بالنسبة لهم ممراً آمناً، لا تستطيع القوات العراقية ولا السورية مطاردتهم عبره.

ويقدر المراقبون الغربيون عدد إرهابيي«داعش» في شرقي سوريا، وغربي العراق بسبعة آلاف، بينما يؤكد مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب عددهم بعشرة آلاف.

ويضاف إلى هؤلاء المئات الذين تفرج عنهم «قسد» من وقت لآخر ضمن صفقات مع شيوخ العشائر التي ينتمون إليها.. ومنهم مثلاً 600 عنصر تم الإفراج عنهم دفعة واحدة، والعشرات الذين تنقلهم القوات الأمريكية إلى قاعدة«النتف».

تكتيك حرب العصابات

والملاحظ أنه منذ أن بدأت«داعش» في إعادة تجميع صفوفها (بداية 2020) فقد لجأت لاستخدام تكتيك حرب العصابات ضد الأهداف العسكرية والمدنية السورية والعراقية، حيث تتجمع فرق صغيرة من مواقع مختلفة لتشن هجمات كبيرة نسبياً أو كبيرة، ثم تتفرق عائدة إلى قواعدها، كما حدث في (السخنة) قرب حمص مثلاً، أو تنصب كمائن لحافلات عسكرية (في سوريا بالذات) ثم تتفرق بسرعة، وكأنها تحركات تشير إلى وجود تنظيم محكم واستطلاع قوى، ووسائل نقل واتصال متطور. الأمر الذي يحمل على الاعتقاد أنها تحصل على مساعدات استخبارية ومادية من أطراف إقليمية أو دولية.

الدور الوظيفي لداعش

وإذا كانت أوضاع مسرح العمليات المؤاتي، والحاضنة العشائرية كافية لتوضيح ظروف انتشار«داعش»الواسع، إلا أنها غير كافية لتفسير تضخيم عددها ونشاطها الكبير، وإمكاناتها المادية والاستطلاعية والتنظيمية الكبيرة، وهنا لا بد من ملاحظة عمليات الإفراج المتتالية عن معتقلي داعش والتراخي الكبير الذي تظهره في مواجهة التنظيم.. وكذلك التراخي الواضح الذي تبديه القوات الأمريكية في سوريا (شرقي الفرات) العراق، ومعها قوات«التحالف الدولي». وما يفسر الأمر هو «الدور الوظيفي» الذي يقوم به «داعش» ضد القوات الحكومية السورية والميليشيات الإيرانية المتحالفة معها، وكذلك القوات الروسية شرقي الفرات وهو الأمر الذي يحقق لواشنطن استنزاف سوريا وإطالة أمد الحرب وقطع طريق (طهران- بغداد- دمشق- بيروت) ويمثل دعماً للقوات الأمريكية في سوريا وحلفائها الأكراد في موجهة دمشق وطهران وموسكو، كما يمثل نشاط«داعش»ضد القوات السورية والحليفة حائط صد احتياطياً لحماية القوات التركية شرقي الفرات.

أما في العراق فإن نشاط داعش يقدم مبرراً للدفاع عن وجود القوات الأمريكية. ولهذا يمكن التغاضي عن داعش، بل وتقديم الدعم لها (سراً) في حدود هذا الدور الوظيفي، مع تقليم أظفارها كلما حاولت تجاوزه.

«دواعش» لبنانيون!

وفي هذا السياق يمكن فهم الأخبار التي تتوالى في الأشهر الأخيرة عن تهريب شبان لبنانيين من مدينة طرابلس ومنطقة عكار (شمال) إلى العراق وسوريا، ليقاتلوا في صفوف داعش (مقابل ألف دولار شهرياً) في استغلال لظواهر الفقر والبطالة والتهميش، وتقدر بعض الجهات عددهم بالمئات، وجهات أخرى تقدر عددهم بأقل من ذلك. ولا يستبعد أن يمثل هؤلاء بعد عودتهم نواة لوجود«داعشي» في لبنان.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"