عادي
فرانز فانون يلهم إحدى أشهر كاتبات المسرح الإنجليزي

كاريل تشرشل.. الخشبة صوت الحرية

23:51 مساء
قراءة 3 دقائق
3002

القاهرة: «الخليج»

على الرغم من بداياتها المسرحية المبكرة، في بداية الستينيات فإن الكاتبة المسرحية كاريل تشرشل تحتل المكانة الأكثر أهمية بين كتاب المسرح الإنجليزي، لقدرتها على التجريب المسرحي ومحاولاتها المستمرة للبحث عن يقين فكري في عصر عزّ فيه اليقين، وأكثر ما يميزها هو مغامراتها مع الشكل المسرحي، ليس بمعناه المجرد أو النظري وإنما بمعناه الأهم، وهو قدرته على احتواء وبلورة أهم قضايا الواقع المعيش، كم يؤكد محسن مصيلحي«في ترجمته لخمس مسرحيات قصيرة لتشرشل».

بدأت كاريل تشرشل المولودة في 3 سبتمبر 1938 في لندن، حياتها الفنية بالكتابة الدرامية للإذاعة والتليفزيون، إلا أنها قدمت محاولات درامية أولية أثناء دراستها للأدب الإنجليزي، بجامعة أكسفورد، تجلت في مسرحيات «البدروم» عام 1959 و«قضاء وقت رائع» 1960 و«موت سهل» و«لا داعي لخوفك»1961 وبعد النجاحات الإقليمية الطلابية بدأت تتجه إلى الدراما الإذاعية، وذلك حين قدم لها البرنامج الثالث للإذاعة البريطانية ( بي بي سي) مسرحيتها«النمل» و«توائم طبق الأصل» و«السعادة الكاملة» وغيرها من مسرحيات، واستحوذ التليفزيون أيضاً على اهتماماتها.

ويظهر التأثير الكبير لهذين الوسيطين في قدرات تشرشل على التجريب في عنصر الزمن، في كتاباتها الدرامية، ومن المعروف أن هذين الوسيطين لا تحدهما حدود في حرية الانتقال الزماني، نظراً لطبيعتهما التكنولوجية، وعلى الرغم من أن المسرح محدود بشروط العرض المسرحي الحي والآني، إلا أن تشرشل استطاعت في كثير من تجاربها أن تستخدم الحرية الإذاعية/ التليفزيونية في المسرح وبشكل مكثف.

في مسرحية «سحابة تسعة» تبعد تشرشل أحداث الفصل الأول إلى إحدى المستعمرات البريطانية، وتقترب من حياة أسرة من أُسر المستعمرين، في مشاهد متعددة وعلى مستويات مختلفة، لتكشف منظومة العلاقات التي تربطها مع بعضها من ناحية، وتربطها مع الإفريقيين من ناحية أخرى، ثم تنتقل إلى لندن في النصف الثاني من المسرحية لتجري أحداثه بعد مئة عام من أحداث الفصل الأول، إلا أن هذا الزمن لا يمثل إلا خمسة وعشرين عاماً فقط بالنسبة للشخصيات الدرامية.

علاقات استعمارية

هذا الانتقال الزماني والمكاني يظهر الآثار المباشرة لمنظومة العلاقات الاستعمارية على شخصيات شبيهة للشخصيات التي ظهرت في الجزء الأول، ولكن على أرض الوطن ذاته، ثم إن تشرشل تظهر بعض الشخصيات التي تظهر في الفصل الأول، وقد اكتسب عادات وتقاليد ذات جذور استعمارية، وليست هناك حاجة للإشارة إلى الآثار النفسية المدمرة التي تعانيها هذه الشخصيات في وطنها، أو إلى القهر والتفرقة العنصرية التي تعانيها هذه الشخصيات، فتشرشل معروفة بمواقفها المؤيدة للحرية والرافضة لتعسف الأنظمة الحاكمة على الفرد، وخاصة على المرأة.

في هذه المسرحية يظهر أثر جان جينيه في استخدام المفارقة اللونية في الممثل، أي قيام ممثل أبيض مثلاً بلعب دور شخصية سوداء، هذا الأثر يظهر في شخصية خادم العائلة الأسود «جوشوا» الذي يقوم به ممثل أبيض، إلا أن الأثر الأقوى في هذا التكنيك يعود إلى قراءة تشرشل لكتاب فرانز فانون «وجوه سوداء أقنعة بيضاء».

من هذا المؤثر الأخير يظهر أن تشرشل لا تجرب في نطاق شكليات العرض المسرحي فقط، وإنما تجرب للبحث عن وسيلة لتجسيد أفكارها في تلك العناصر، وخاصة عنصر التمثيل، وما تقوله تشرشل إن هذه الشخصيات تتمسح في أحذية المستعمر الأبيض، وتقوم على خدمته والتعاون معه على كافة المستويات، هذا التمسح يعني التخلي المباشر عن اللون، بل والتخلي عن الأسرة والعشيرة التي يقوم هذا المستعمر نفسه بإبادتها.

ألوان

لون شخصية جوشوا إذن هو اللون الذي تريده الشخصية لنفسها، والذي تريده الشخصيات البيضاء لها، كما أنه إظهار لرغبته الكامنة في التخلي عن جذوره، ويظهر تأثير فرانز فانون الفكري على تشرشل في مسرحيتها التي كتبتها عنه، وعن تجربته كطبيب نفسي في أحد مستشفيات الجزائر، بين عامي 1953 و1956 وقيامه بمساعدة الثوار الجزائريين وهي مسرحية «المستشفى في زمن الثورة» 1972 وقد اعتمدت تشرشل على الفصل الخامس في كتاب «فانون» الشهير«معذبو الأرض».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"