مهاوي الاجتياح العامي

00:17 صباحا
قراءة دقيقتين

هل ينبغي لقلم عربي أن يغفل عن هذه التراجيكوميديا اللغوية؟ الاستهانة بحجمها وتطورات آفتها وخيم. القضية لها وجوه عدة لا تبرير لها. إنها ظاهرة اللهجات العامية التي تجتاح وسائط التواصل على الشبكة، والأشد إيلاماً هو أنه من بين الذين يكتبون التغريدات، فنانون مشاهير.
المهزلة هي أن هؤلاء يخترعون قواعد جديدة للإملاء ونحو اللهجات وصرفها. لا يُعقل أن تُدوّن لهجة أو لغة من دون مجموعة ضوابط توحد الكلمات والجمل تحت راية قانون عام. مأساة أن تكتشف أن فنانين مشهورين في البلدان العربية، هم عاجزون عن كتابة جملتين عاديتين بالفصحى، احتراماً لمنظومة القيم الفنية التي يُفترض فيهم الإيمان بها. أسوأ من ذلك أن يبرروا الفعلة بالمقولة: «خاطبوا الناس بما يفهمون»، وأن العامية هي التي يتحاور بها الناس ويتفاهمون في الحياة العامة. الأنكى هو أن يدّعوا أن الذين يتصفحون الشبكة العنكبوتية، وما في وسائل التواصل من نصوص، موجزة أو مفصّلة، ويستمعون نشرات الأخبار الفصيحة في الفضائيات، هم غير قادرين على فهم تغريدة إلاّ إذا كتبت باللهجة العامية. ههنا بالذات مهزلة أخرى، وهي أننا إذا استثنينا اللهجة المصرية، التي هي مألوفة في كل العالم العربي، بحكم ريادة الفنون المصرية في المسرح والسينما والموسيقى، منذ أوائل القرن العشرين، فإن اللهجات العربية الأخرى، بعضها من العسير فك «شيفرته» في بلدان عربية أخرى. خذ مثلاً أعمالاً مسرحية أو مسلسلات باللهجات المغاربية تكون مغرقة في النطق والتراكيب المحلية، واعرضها في المشرق العربي ودول مجلس التعاون. 
العامية المغاربية فيها ضروب من المفردات الفرنسية، والأمازيغية، خصوصاً في الجزائر والمغرب، إضافة إلى أن النبرة الأمازيغية يشتد بروز معالمها كلما ازددنا تقدماً من ليبيا في اتجاه تونس، فالجزائر فالمغرب.
الزلة الفكرية نحو الهاوية الثقافية، هي توهّم أن المسألة سحابة صيف. كلا، فإن العواقب وخيمة إذا اكتسحت العاميات وسائط التواصل، فالأعجوبة ستكون ظهور «أدباء» في هذه المسوخ، وسوف تنبت كالفطر مواقع بالعامية تجتذب الحشود بعد الحشود، في عالم عربي يزداد هجراً وجفاء وصدوداً للفصحى. قل إن شئت: «لا يضرّ الشاة سلخها بعد ذبحها».
لزوم ما يلزم: النتيجة العجبية: إذا صار الفنانون يستمتعون بليّ عنق اللغة، فسوف يتطاول المتطفلون على فنونهم ويمرّغون أنفها في الانحدار.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"