عادي

جويس منصور.. سيريالية تكتب الشعر برمش العين

22:49 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

«لم تتقصد جويس منصور قط صياغة كتاباتها في هيئة أعمال أدبية منشورة، ولا ترك آثار تخلد اسمها».. هكذا يقول ناشر أعمالها الشعرية الكاملة في تقديمه لها «لم تنو أبداً، ولا حتى اختارت كتابة النصوص المجموعة هنا، كانت المقطوعات النثرية والقصائد تأتيها عفو الخاطر، إبان تجوالها في الواقع أو اعتكافاتها في الحلم، وهي نصوص تشتتها بعد ذلك مباشرة كأنها تبذر حقلاً بالريبة».

يتميز شعر جويس منصور بتحرره من جميع القيود على مستويي الشكل والثيمات، وما يزيد قصائدها تحرراً هو أنها تنفك من أسر العناوين، فنادراً ما تعنونها، ضمن خيار ساد كثيراً لدى السيرياليين، كما أن نصوصها تنبني على جدلية العين واليد، وعلى مزيج بين الفنون البصرية والقولية. وحتى على المستوى الإيقاعي حررت منصور قصيدتها من الوقفات التي تفرضها علامات التنقيط، ففي ديوانيها الأوليين تكاد تكون علامة التنقيط الوحيدة في معظم القصائد هي النقطة التي تختتمها بها. أما في باقي دواوينها بعد عام 1955 فقد تخلصت نهائياً من علامات التنقيط لينساب النص بدون نهايات أو علامات توقف.

1

وقد قال عنها الشاعر آلان جوفروا: «قصائد جويس منصور تشكل فيلماً متقطعاً بوعي حاذق، أفكارها تنبسط، تتجول كالمسرنم في فضاء الصفحة».

وتشير جويس منصور إلى أصولها في غير ما موضع من شعرها، وهي تعلن ذلك في سياق من التمرد على كل الهويات القاتلة، ويبقى اهتمامها بأصولها جزءاً من تأسيسها لأسطورتها الشخصية، وعلى الرغم من ذلك لا تنفي عن نفسها عروبتها ونشأتها في وسط مصري: «العربي في يرتجف على كل درج». ويصل التماهي مع الشرق حد تناص قصائد عديدة لها مع التعاويذ والابتهالات الفرعونية التي حفظتها لنا البرديات وجدران المعابد والأهرامات، وما حضور الصحراء كاستعارة وفضاء حقيقي وطغيان المناخات الساخنة على أجواء قصيدتها، بدل الأجواء الباريسية الباردة، حيث عاشت منفاها معظم حياتها، إلا دليلاً ساطعاً على انتمائها الجغرافي للشرق، وقد تعرضت نصوصها للانتحال عربياً من طرف بعض شاعرات الحركة النسوية تماماً، كما يقول رشيد وحتى في ترجمة لمختارات شعرية لمنصور.

ولدت جويس منصور لأبوين مصريين، تعود جذورهما إلى مدينة حلب السورية، أقام الوالدان في مانشستر بإنجلترا، حيث أسسا شركة لتسويق القطن، قبل عودتهما للاستقرار في مصر، فور ولادة جويس، وفي صالون ماريا كفاديا التقت منصور بجورج حنين رائد جماعة الفن والحرية التي تأسست عام 1938، وفي هذا الصالون الأدبي اكتشفت جويس روح الحركة السيريالية. ومع صدور ديوانها الأول «صرخات» عام 1953 صار الكتاب حديث الصالونات الأدبية في القاهرة والإسكندرية، ونال إعجاب جورج حنين.

1

أما السيرياليون في باريس فقد اعتبروا جويس واحدة منهم، وكان أطرف ما كتب عنها من نصيب آلان بوسكيه: «ستجعلنا جويس منصور نقضي ليالي بيضاء في الرطوبة، آهٍ لا ينبغي تركها حتى في مستودع الأموات. بإمكانها إيقاظ الجثث». وتحتوي مكتبة أندريه بريتون على نسخة من الديوان أرسلتها له جويس بالإهداء التالي: «إلى السيد أندريه بريتون بعض هاته الصرخات.. تحية ج. م»، وما كان من بريتون إلا أن رد برسالة اعتبرتها يداً ممدودة إليها، ودعوة للالتحاق بالحركة.

ديوانها الأول كتب في أجواء مصرية خالصة، ودون اطلاع منها على تجارب السيرياليين في الغرب، حتى إنها قالت إن قراءاتها الشعرية تكاد تكون منعدمة خلال إقامتها في مصر، بالنسبة لها: «نولد سيرياليين ولا نصير كذلك»، وتماشياً مع الروح السيريالية أصدرت جويس ديوانها الثاني.

وفي ربيع 1968 تنأى جويس بنفسها نهائياً عن الحركة، بعد أن بدأت تدب فيها الانشقاقات والصراعات التي أوصلتها إلى باب مسدود، وفي 27 أغسطس عام 1986 توفيت جويس في بيتها بعد صراع طويل مع السرطان، وقد تحدثت عنها الصحف والمجلات المصرية آنذاك كآنسة غريبة، وطفلة في الحكاية الشرقية، كشاعرة سيريالية ذات أصول مصرية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"