عادي
حياة قاسية توّجت بأبرز الروايات الكلاسيكية

الأخوات برونتي.. الرومانسية ابنة الألم والعزلة

00:33 صباحا
قراءة 4 دقائق
2402
2403

الشارقة: علاء الدين محمود

الأخوات برونتي حالة إبداعية متفردة شكّلت وجدان الكثيرين حول العالم، حيث تعد تلك الأسرة من أشهر العائلات التي مارست الأدب في القرن التاسع عشر، وأنتجت الكثير من القصص والأعمال التي هي بمثابة شامة في وجه الرواية الكلاسيكية، مثل «جين آير»، و«شيرلي»، و«فيليت»، و«الأستاذ»، و«مرتفعات وذرينج»، وغير ذلك، ولا يزال ذلك الأدب الرفيع الذي أنتجته عائلة برونتي يجد صدى وقبولاً لدى القراء في كل مكان، ما يشير إلى أن ذلك الإبداع قد أسهم بصورة كبيرة في خلود أفراد تلك الأسرة العريقة.

سطعت أسماء الأخوات شارلوت «1816-1855»، وإيميلي «1818-1848»، وآن «1820-1849» في سماء القصيدة والسرد، فقد عرفن بأنهنّ شاعرات، وروائيات، استطعن أن يثبتن مكانتهن بعد مسيرة حياة لم تكن سهلة بأية حال من الأحوال، ولكنهن استطعن أن يتغلبن على الصعاب، وترقين في مدارج الأدب والثقافة، ولأنهن عشن في رحاب العصر الفيكتوري الذي اتسم بالمحافظة، فقد كان أمر وجودهن ككاتبات أمراً في غاية الصعوبة، وأمام ذلك الواقع فقد كانت الأخوات برونتي ينشرن قصائدهن وروايتهن تحت أسماء ذكور مستعارة، وهي كورير، وإليس، وأكتون بيل.

بدايات

منذ وقت مبكر ظهر الاتجاه الأدبي والإبداعي لدى الأخوات الثلاث، إلى جانب بقية أفراد الأسرة، فقد اهتممن في المرحلة الطفولة بالكتابة من أجل اللعب، وتحوّل ذلك لاحقاً إلى شغف، وفي ديسمبر/ كانون الأول 1827 بدأت أفكار الأخوات تأخذ الشكل المكتوب، في البداية كتبن قصصهن في كتب صغيرة، بحجم علبة ثقاب، وكانت الصفحات مملوءة بكلمات ذات حجم صغير، ومتقاربة، وبأحرف كبيرة، ومن دون علامات ترقيم، ومزيّنة برسومات توضيحية، وخرائط تفصيلية، ومخططات ومناظر طبيعية، وقد كانت الفكرة من استخدام هذا الحجم في الأصل لكي يتمكن الجنود من حمل أمثال هذه الكتابات معهم وقراءتها، ومع الوقت نضجت تخيلات الطفلات، وتعقّدت قصصهن، وزاد ذلك عبر قراءتهن للمجلات الأسبوعية أو الشهرية الثلاث التي اشترك والدهن فيها، والصحف اليومية التي كان يشتريها دائماً، وكان لكل ذلك الأثر الإيجابي في مسيرة الكاتبات الثلاث واللواتي طورن مخيلتهن خلال طفولتهمن من خلال سرد القصص الشفوية، والمسرحيات في عالم خيالي معقد، ولعل من أكثر العوامل التي جعلت الأخوات برونتي يتمسكن بطريق الأدب وجود الأب باتريك برونتي في حياتهن، وهو رجل الدين الذي ينحدر من أصول إيرلندية، فقد كان بمثابة مصدر الإلهام الأساس لهذه الكتابات المبكرة.

انقلاب

عاشت العائلة في إحدى القرى، وانتقلت لاحقًا إلى «هاوورث يوركشاير» في إنجلترا عام 1820، وكان ذلك الانتقال بمثابة إضافة كبيرة لهن ولمنطقة هاوورث معاً، فقد اشتهرت تلك المنطقة بسبب إبداعات الأخوات برونتي، خاصة رواية إيميلي برونتي الشهيرة «مرتفعات وذرينج»، التي تعد واحدة من أهم كلاسيكيات الأدب الإنجليزي، والتي تناولت طبيعة وجماليات المنطقة، ولكن بدأت المتاعب تعترض سبيل الأخوات برونتي باكراً، فقد ماتت الأم، ماريا برونتي، في العام التالي لوصول أسرتها إلى المنطقة الجديدة، مخلفة وراءها ستة أطفال في أعمار صغيرة متفاوتة، تراوح بين 20 شهراً وسبع سنوات. وإثر ذلك، انتقلت إليزابيث برانويل، الأخت غير المتزوجة لماريا، إلى بيت القس، باتريك برونتي، لرعاية بنات أختها الصغيرات، حيث لم يكن للفتيات سوى أخ واحد هو بارنويل، «1817-1848»، وتميزت علاقتهم جميعاً بالتقارب الشديد، فوفاة الوالدة ترك أثره الكبير في نفوسهم جميعا، والواقع أن القدر لم يمهل العائلة الحزينة كثيراً بعد وفاة الوالدة، حيث حلت مصيبة جديدة بهم، تكثلت في وفاة الشقيقتين الأكبر سنا في غضون ستة أسابيع فقط، في عام 1825، وهما: ماريا التي توفت عن 11 عاما، وإليزابيث عن 10 أعوام فقط بسبب مرض السل.

ونتيجة لتلك الأوضاع القاسية التي حلت بالعائلة، فقد شكل الطفلات عالم خاصاً بهن، نسجنه من مخيلتهن الجامحة والمتقدة، وعكفت الفتيات الثلاث على تطوير تجربة أو تجارب أدبية خاصة بهن، وقد انعكست تلك العوالم الخاصة بهن في إبداعهن خاصة مملكة «أنجريا» التي ظهرت في روايات شارلوت، وبصورة عامة فقد تشكلت لديهن الأدوات الإبداعية بصورة سريعة، فكان أن لقيت قصصهن صدى وانتشاراً سريعاً، وقد تميزت تلك الأعمال بالإثارة والشغف والأصالة، وكان النجاح الأول من نصيب شارلوت عبر روايتها الخالدة والعظيمة «جين آير»، تلك القطعة السردية التي تميزت بالروعة والتفرد، لتصعد بعدها إلى عوالم الأدب الرفيع الأخت إيميلي من خلال رائعتها الخالدة «مرتفعات وذرينج»، ثم حالف التوفيق الأخت آن والتي أبدعت عبر روايتها العظيمة «نزيل قاعة ويلدفيل».

ظلال الموت

بدأ الحزن يطرق أبواب الشقيقات مرة أخرى بعد وفاة شقيقهن بارنويل، إذ بعد فترة قصيرة اشتد مرض السل على إيميلي التي لم تطق معه صبراً، فكان أن أقدمت على الانتحار بالامتناع عن تناول الأدوية، وما هو إلا وقت قصير حتى بدأ السل ينخر جسد آن التي ماتت هي الأخرى عام 1849، لتعاني بعد ذلك شارلوت الوحدة والكآبة، لتقرر بعد حين الزواج من القس آرثر بيل، بعد علاقة لم تكن قائمة على الحب بل نتاج الخيبة والألم، وبعد تسعة أشهر فقط من زواجها توفيت شارلوت بسبب مضاعفات الحمل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"