الإمارات قدوة

00:25 صباحا
قراءة دقيقتين

طفلة صغيرة، تسترها أسمال بالية، لا تقي زمهرير شتاءٍ قارس، وعواصف ثلجية عاتية، تقف بقدمين صغيرتين، غائصتين في الوحل، عليهما ساقان لم يستطع جسدها الضئيل السيطرة على رجفانهما رغم محاولاتها المضنية السيطرة على تلك الرجفة التي تهز ساقيها وجسدها دون طائل، رغم ذلك تقف صامتة بعزة نفس، لا تسمح لها بإطلاق أية كلمة استغاثة أو ألم، تحاول أمها جاهدةً التخفيف عنها بإلباسها «جوارب» مهترئة لا تدفئ ولا تصد برداً.
تسكن مع غيرها من الأسر السورية النازحة من غلواء صراعات دموية تهتك سلام وأمن بلادها الجميلة في منطقة «أعزاز»، حيث أحد معسكرات المهجرين العديدة التي هاجمتها العواصف الثلجية، فدمرت الكثير من وسائل التدفئة البسيطة، وعصفت وقطعت بهم السبل، فصاروا في أتون حرب فاجرة، لا ناقة لهم فيها ولا جمل، سوى خراب البيوت والتهجير والمصير المجهول، وبرد لا يرحم صغيراً أو كبيراً.
أشعل الفيديو الذي صُور وبُث لتلك الطفلة الصغيرة مرتجفة الساقين منصات «السوشيال ميديا»، وتناقلته وسائل الإعلام المختلفة وبتعليقات كثيرة محزنة، فيها الكثير مما يدمي القلوب، ويبكي العيون ويمس المشاعر، لعل ذلك يلامس نخوة ما، لتقف باسم الإنسانية أولاً وباسم الدين ثانياً وباسم الأخوة ورابط الدم ثالثاً، وتعلن مد يد العون لها ولغيرها من القابعين هناك يعانون خطايا السياسة وألاعيبها.
ارتجفت ساقاها من البرد، فهل ارتجفت قلوب المشاهدين لها؟ هل أذهبت الغفلة، وأيقظت الضمائر الحرة؟ هل حركت الفعل والعمل لإيقاف هذه المهزلة؟ كيف لنا أن نرى ذلك ونعلن الصمت؟ هل يكفي أن ندعو لهم بالسلامة والرحمة والمغفرة والنجاة؟ يا ترى من سيمد يد العون؟
استجابة دولة الإمارات لاستغاثة الطفلة الصغيرة سبقت صرختها، بمبادرة «لنجعل شتاءهم أدفأ»، وكانت من أكبر المبادرات الخيرية، جمعت أكثر من 11 مليون دولار، بهدف دعم الشعوب التي تعاني ظروفاً صعبة جراء برد الشتاء، وعلى رأسها اللاجئون السوريون. هذه المبادرة هي الأحدث في سلسلة مبادرات الإمارات لمساندة الشعب السوري الشقيق، كي تكون خير مساند للاجئين الذين اضطرتهم ظروفهم إلى سكن الخيام، وتؤكد الروح الإنسانية لشعب الإمارات، ومن هذه المبادرات حملات «القلب الكبير»، و«شتاء دافئ» للشارقة الخيرية.
إنها الإمارات القدوة، حيث تتمثل الإنسانية بأبهى صورها، في بلد «وثيقة الأخوة الإنسانية»، ونأمل أن تشكل القدوة في ذلك لباقي دول العالم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"