حارس الثقافة

00:45 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

في شهر نوفمبر /تشرين الثاني من كل عام، يحمل رجلٌ من شارقة الخير والعطاء مشعل المعرفة، ويتوجه لينشر نور الحرف في روح المدينة، وخلال تفقّده أجنحة النتاج البشري الأسمى، يصافح كاتباً، ويحدّث مبدعاً، ويطمئن على مفكّر، ويسأل ناشراً، ثم يمضي حاملاً في عقله وقلبه هموم المبدعين والكتّاب والباحثين والمفكّرين والقراء والناشرين والموزّعين، ويبقى المشهد في عينيه يحمله إلى السنة التالية، ليطمئن على تطوّر الفعالية وحسن إقامتها ورقي خدماتها، ثم يرسم حلماً آخر، وهكذا تتراكم المعرفة. 

 ويسأل السائلون عن الرجل الذي يفتتح معرض الشارقة الدولي للكتاب في كل عام، هل هو مؤلّف أم باحث أم مبدع أم ناشر أم مفكّر أم سياسي أم حاكم، فيأتيه الجواب بأن الرجل الذي كان يتحرّك في المعرض من دون حراسة أو مرافقين هنا وهناك، هو كل تلك الألقاب المذكورة، فيعلم السائل أنه كان وجهاً لوجه، أمام سلطان الثقافة والمعرفة، هو الشيخ الحاكم الباحث المؤرخ المبدع المواطن الإنسان. هل ثمة مديح شخصيّ بين طيات الكلام؟ كلا، هي حقائق أوردناها في حق الباحث عن الحقيقة، حارس الثقافة العربية، راعي المبدعين، هو ذلك الانسان الإماراتي العامل من أجل مواطنيه ووطنه، الموفّر لهم سبل الحياة الكريمة، الحاضن لوحدة أراضيهم، المدافع عن الفكر الوحدوي، المصرّ بقوة على استدامة اتحاد الإمارات العربية.

 هو الرجل المعرفي عاشق لغة الضاد، الذي يعمل على الإعلاء من شأنها في كل عمل يقوم به، وكل مكرمة يهبها، الرجل العروبي الذي يحمل بين جنباته هموم وقضايا أمته خاصة قضية فلسطين، المؤمن بحق شعبها في الحرية والاستقلال والوطن المتمتع بالسيادة، الإنسان المغدق بما يملك للقاصي والداني، هكذا نكون قد عرفنا جزءًا من آلية تفكير سموه، وأهداف المثقف المنتمي لحضارته ووطنه.

 الزيارة السنوية لمعرض الشارقة الدولي للكتاب ما هي سوى لقطة واحدة من المشهد العام، فكل عمل يفضي إلى آخر ويكمله ويثريه، والإثراء استدامة حقيقية للفعل، ففي العام 2017 افتتح سموه مدينة الشارقة للنشر، ليوفّر لصانعي الكتاب واحة يستظلون تحت أشجارها مطمئنين، وتكون رافداً للمعرض، وتستقطب المستثمرين في صناعة الكتاب، وهكذا تتحقق استدامة وجود الكتاب، الذي يعرّفه سموه بقوله إنه الوسيط المعرفي الذي يجمع ثقافات العالم، ويفتح نوافذ جديدة للتلاقي والحوار مع مختلف الحضارات والبلدان. ولا بد هنا من الإشارة إلى ريادة العمل، فمدينة الشارقة للنشر، تُعدّ أول منطقة حرة للنشر في العالم، وهي أحد مشاريع هيئة الشارقة للكتاب.

 أما الاستدامة المعرفية الأخرى فتتمثل في قيام سموه بإطلاق أول 17 مجلداً من المعجم التاريخي للّغة العربية، وهو المشروع اللغوي الكبير الذي يرعاه صاحب السمو، ويؤرّخُ للمرة الأولى لمفردات لغة الضاد وتحولات استخدامها عبر 17 قرناً ماضية.

 تلك نماذج فقط من مبادرات سموه في مجال المعرفة، أما إذا أردنا سرد مبادراته المعرفية والثقافية والفنية والاستشفائية والإنسانية الأخرى، فلن يتّسع المجال لها، وذكرُ عناوين فقط يظلم المبادرات، لأنها ليست مجرّد عنوان، إنها عمق الفعل وصدق النيّة.

 المقرّبون من صاحب السمو حاكم الشارقة، يعلمون انشغاله الدائم بأوضاع المواطنين من أجل توفير الحياة الكريمة لهم، خاصة الأطفال ومستقبلهم، فهو إنسان، وإن اهتم بالتاريخ والتراث إلا أنه رجل المستقبل بامتياز، لأن كل مبادرة مستدامة هي فعل مستقبلي، أما الفكرة الأعم التي تُعتبر جوهر فكر صاحب السمو، فتتعلق بأهمية التحول إلى مجتمع معرفي، لأن سموه يؤمن بأن المعرفة ترقى وترتقي بالإنسان وهي أساس كل تنوير بشري، فإذا غابت اضطرب المجتمع واختل توازن الدولة والحكم، لهذا يوصي بها ويحث عليها، ولهذا أيضاً، أوصى بأن تكون هناك مكتبة في كل بيت. 

 خمسون عاماً والعطاء مستمر…

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"