خيمة شهد

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

كم من الشعراء والشاعرات والروائيين والروائيات، والفّنانين والفّنانات سنقرأ لهم أدباً وإبداعاً وفكراً بعد عشرين أو ثلاثين عاماً قادمات، وهؤلاء أطفال الآن يكبرون «يوماً على صدر يوم»، كما يقول محمود درويش، في مخيمات اللّاجئين السوريين شمالي سورية، أو في الأردن، أو في لبنان، لا بل، حتى اللّاجئيين السوريين الذين حالفهم حظ الهجرة إلى بعض البلدان الأوروبية، وسكنوا في بيوت تليق بالكائن البشري سيولد من صلبهم شعراء وكتّاب ورسّامين في العقود القادمة.. كتّاب وأدباء وفنانون سوريون مئة بالمئة، ويجري في عروقهم بياض ياسمين دمشق، ودموع بردى، على رغم التهجير القسري والإرادي إلى الديار العربية، والديار الغربية.
.. ولكن، عَلَامَ بنيت أنا الآن هذه «النبوءة» التي تتوقع جيلاً أدبياً سورياً بعد عقود قليلة.. جيل هو الآن في مرحلة الطفولة التي هي مرحلة تخزين كل مشهد وكل صورة وكل حادثة وكل كلمة وكل دمعة، وحين يحين موعد ولادة كل هذا الخزين على شكل أدب وفن، يكون الزمن الواقعي والنفسي قد جعل من هؤلاء الذين كانوا اطفالاً شعراء وكتّاباً وفنّانين.
لا أتحدث أنا، ولا يتحدث غيري عن هذه الظاهرة الأدبية الفنية الكتابية القادمة في النصف الأول من الألفية الثالثة من فراغ، بل، من صور ومشاهدات وقصص نراها يومياً، ونقرأ عنها، بل، وأحياناً، نعيشها..
إليك على سبيل المثال هذه القصة او القصيدة او الرواية التي ستكتب بعد ثلاثين أو عشرين عاماً بعنوان: «خيمة شهد»، وسيقرأ هذا النص الأدبي ابناء وبنات الجيل السوري والعربي القادم بوصفها وثيقة مدوّنة أدبياً حول اللاجئ السوري في 2021، وكيف كان يعيش في مخيمات تلوكها الريح، ويعصف بها الثلج، وينظفها ساكنوها بدموعهم.
لن أبتعد مرة ثانية عن القصة.. وإليك موجزها التراجيدي التلفزيوني…
يتقدّم المذيع التلفزيوني الميداني إلى طفلة سورية جالسة في خيمة، وقد تلفّعت ببطانية، وهي تبتسم.
- المذيع: شو اسمك؟
- الطفلة: شهد.
- المذيع: كيف حالك يا شهد؟
- شهد: الحمدلله.
- المذيع: كم عمرك يا شهد؟
- شهد: 10 سنوات.
- المذيع: بتعرفي يا شهد إنا الليلة في ليلة رأس السنة.
- شهد: بعرف.
- المذيع: طيّب، شو بتتمنّي في العام الجديد؟
- شهد: خيمة.
كانت أمنية شهد خيمة، وحين قالت للمذيع «بتّمنى خيمة» ابتسمت، وارتسم على وجهها الطفولي الجميل غمّازتان بريئتان كافيتان في ما يظن المشاهد لاحتواء دموع غزيرة بحجم الملح الأبيض المتوسط، ولكن، شهد، لم تبك، ابتسمت فقط،.. فقط خيمة. أمنية طفلة عربية في القرن الحادي والعشرين، وفي عام 2022، كما قال المذيع. الذي ابتلع غصّته، وتحوّل إلى خيمة أخرى، يسأل ساكنيها عن أمنياتهم.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"