رسائل التعطيل في العراق

00:44 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

ليست المرة الأولى التي يتم فيها استهداف مطار بغداد الدولي من قبل جهات خارجة على القانون، أو ما بات يطلق عليها قوى اللادولة، بذريعة وجود قوات من التحالف الدولي بقيادة أمريكية في قاعدة فيكتوريا، التي أصبحت منذ نحو شهر تضم مستشارين، كما تؤكد السلطات العراقية. لكن استهداف المطار، هذه المرة، كان موجهاً إلى المطار مباشرة حاملاً معه الكثير من الرسائل الموجهة للداخل والخارج على حد سواء.

 قوى اللادولة أو عصابات الخارجين على القانون أو الميليشيات المنفلتة.. هي كلها تسميات لفصائل مسلحة، في الواقع، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بجهات نافذة في الدولة، توفر لها الحماية وتستخدمها كأدوات في خدمة خططها الهادفة لتعطيل وعرقلة الاستحقاقات الدستورية، من انتخابات رئاسة البرلمان إلى انتخاب رئيس للجمهورية، ثم تشكيل الحكومة الجديدة، وهنا بيت القصيد، بهدف ثني السلطات العراقية عن القيام بهذه الاستحقاقات والضغط عليها من أجل إشراك القوى الخاسرة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الحكومة المقبلة، وأيضاً بهدف حماية هذه الميليشيات المنفلتة وعدم السماح بحلها وملاحقتها ومحاسبتها على الجرائم التي ترتكبها، على طريق حصر السلاح بيد الدولة واستعادة هيبتها. 

 بهذا المعنى، فإن الصراع يدور بالفعل بين قوى الدولة التي تسعى لبناء دولة قوية تقوم على إخضاع الجميع للمؤسسات والقانون، وقوى اللادولة، ذات الولاء لجهات وأجندات خارجية، التي تريد أن تبقى فوق القانون ويكون لها اليد العليا في التغول على أية حكومة وتحويلها إلى أداة تنفيذية لمطالبها وإملاءاتها وشروطها. 

 وحقيقة الأمر أن هناك رابطاً عضوياً بين هذه الميليشيات المسلحة والقوى الخاسرة في الانتخابات الأخيرة، حيث تصدرت هذه الميليشيات واجهة المعترضين على نتائج الانتخابات، ونزلت في تظاهرات إلى الشارع تعبيراً عن غضبها، منددة بما اعتبرته نتائج مزورة وطالبت بإلغائها، وأقامت خيام الاعتصام أمام بوابات المنطقة الخضراء في بغداد، وهددت أكثر من مرة باللجوء إلى القوة، ما وضع البلاد على شفير حرب أهلية. 

 وعندما كانت تخبو تحركاتها، في محطات معينة، مثل إعادة الفرز والعد اليدوي لأصوات المقترعين، أو انتظار نتائج الطعون، وما يقرره القضاء، سرعان ما كانت تعود الى منطق التغول والقوة، وهذا ما حدث بعد إقرار النتائج الانتخابية النهائية، وبعد مصادقة المحكمة الاتحادية على انتخابات رئاسة البرلمان، وفي خضم المشاورات والتحالفات الجارية لتشكيل الحكومة الجديد، خصوصاً أن التيار الصدري لا يزال يصر ويتمسك، رغم كل الضغوط، بتشكيل حكومة أغلبية وطنية تقتصر على القوى الفائزة في الانتخابات، واستبعاد القوى الخاسرة. من هنا كانت عودة الفصائل المسلحة الى خيارات القوة والتعطيل، وراحت تستهدف مقرات الأحزاب والقوى السياسية وصولاً إلى استهداف منزل رئيس البرلمان في مسقط رأسه في قضاء الكرمة في محافظة الانبار.

 اللافت أن استهداف مطار بغداد الدولي يتجاوز ذرائع استهداف القوات الأمريكية والتحالف الدولي إلى الدولة العراقية ذاتها، مهدداً بعزل البلاد وشل أية حكومة قادمة وعرقلتها ما لم تضمن مشاركة رعاتها في الحكومة وداعميهم في الخارج.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"