في منحدر الإحساس بالإيقاع

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

هل انخفض منسوب الإحساس بالأوزان الشعرية؟ المواقع على الشبكة، حتى تلك التي تدّعي أنها أدبية، وتختار أسماء لها علاقة بالشعر، نرى فيها كل فنون كسر الإيقاع. يبدو أن المشرفين عليها لم يجدوا أساتذة لهم إلمام بالعروض والقوافي، أو هم يعتقدون أن سلامة اللغة والوزن لا علاقة لها بالشعر، وأن الشعر العمودي يظل شعراً حتى لو حطمنا مبانيه نحواً وبحراً.
آفة مؤلمة، لأن المتصفحين يسارعون إلى الاستنساخ ويستعجلون إعادة التغريد، من دون رويّة. لا يلامون لأن التنشئة لم تؤهل آذانهم، ولم تدرك الجهات المعنية أن الإحساس بالجمال يتربى ويكتسب. في تفاقم انتشار الأخطاء أمران مؤسفان، واحد لأن عدد الواهمين أنه الصحيح سيزداد، والآخر أن كثرة عدم العارفين تعكّر المزاج، فقد حُرموا أدنى حد من البحث والتحقيق. 
يتضاعف الغمّ لأن هذا السلوك الذهني يورث الكوارث في الأمن والسياسة: ما أيسر أن ينخدع الناس وينقلوا ما يسيء إلى مجتمعاتهم وأوطانهم. في الصحة أيضاً مهالك، فما أسهل الاقتناع بنصائح تجعل الناس يتجرعون السموم وهم يحسبونها مصادر عافية وسلامة.
نذكر نموذجاً تناقلته مواقع شتى، أبيات منسوبة إلى قيس بن الملوح، مجنون ليلى، ولم يعثر القلم على أثر لها في نسختين مطبوعتين، إحداهما قديمة محفوظة في مكتبة تورونتو في كندا. العجيب، أن هذه الأبيات المكسورة الوزن، لها عجائب على «يوتيوب» مصوّرة وبإلقاء متفنن في الأخطاء، فهذا الفن أيضاً تردّى، بعضها تحت مسمّى: «من روائع الشعر العربي». من تلك «العيون الدافقة» نهل فنان من أقدر وأجمل الأصوات الرجالية العربية، وأدّاها موّالاً بكل أخطائها الوزنية: «لو كان لي قلبان عشتُ بواحد»، من بين العثرات إضافة لام التوكيد إلى الفعل «عشت»، فينكسر الوزن. الكسر لا يُجبر في: «لا العيش يحلو له ولا الموت يقرب». الأدهى الانتقال أكثر من مرة من البحر الكامل إلى الطويل.
لك أن ترثي لحال الذوق العام يساء إليه، إذ لا تحظى اللغة التي وراءها أكثر من خمسة عشر قرناً من الموزون، بمعرفة الأخطاء المزرية في أبيات تجتاح تشوهاتها الكثيرة وسائط التواصل المتعددة.
لزوم ما يلزم: النتيجة التحذيرية: حذار أن تأخذ وسائل التواصل على أنها حصون العربية وآدابها، لأنك ستجني الكثير من تلك «الروائع» المروّعة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"