الأبعاد النفسية للأزمة بين أمريكا وروسيا

00:29 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاطف الغمري

التصعيد المتوالي في الأزمة بين الولايات المتحدة وروسيا، لم يتوقف عند الأبعاد السياسية للمشكلة، لكنه وسع من حلقاتها، ليخرج من عمق المشكلة. البعد النفسي للقرار السياسي، الذي يمكن أن يكون ضمن مكونات سلوك القادة والزعماء، وصنّاع السياسة الخارجية.

 كان التشخيص لرؤية بوتين السياسية، يرجعها إلى تصرفات الغرب عموماً، من بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وهو ما أوجد نوعاً من العقدة النفسية، والشعور بالمرارة لدى الروس، وهو ما انعكس على إحساس ومواقف بوتين.

 وعلى الجانب الأمريكي، فإن هناك قاعدة لدى كثيرين من المفكرين السياسيين تقول بأن العوامل النفسية تكمن في عمق صناعة القرار السياسي، على مستوى الرؤساء في أمريكا، ويحدث ذلك من استخدامهم علم النفس السياسي، بالدراسة المتعمقة لكافة تفاصيل شخصيات رؤساء الدول المزمع اتخاذ قرارات مهمة بشأنهم، حيث يمكن حساب ردود أفعالهم عند اتخاذ القرار، والتحسب لما بعد القرار، وهو ما شرحه البروفيسور بافيل سوموف في دراسته بعنوان «الدوافع النفسية للرئاسة الأمريكية، كمحرك أساسي للقرار السياسي».

 أما عن الحالة التي وضع فيها الغرب الرئيس الروسي بوتين، فإن بدايتها كانت عقب تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، وتعامل الغرب مع روسيا باعتبارها مجرد قوة إقليمية، لا تملك صفة القوة العظمى، وهو ما اعتبره الروس تجاهلاً متعمداً لتاريخ ومكانة دولتهم. ثم ما بدأ يظهر من تصرفات أمريكية ترفض التعامل مع روسيا بقدر من الندية من بعد انتهاء سنوات العداء بين ما كان يعرف بصراع القوتين العظميين، إلى أن تولى بوتين رئاسة روسيا، وتنامى شعوره الرافض لهذه النظرة المتعالية من الغرب تجاه بلاده. وعدم ترحيب أوروبا بانضمام روسيا إلى دائرة دول أوروبا الغربية باعتبارها دولة أوروبية في الأساس، وهو ما اعتبره بوتين خيانة من الغرب عامة لوعوده عند نهاية الحرب الباردة، ببدء مرحلة جديدة من العلاقات تنبني على التعاون والمصالح المتبادلة، وطي صفحة الإيديولوجية كمحرك للسياسة الخارجية.

 حدث ذلك على خلاف ما كان جيمس بيكر وزير الخارجية في عهد الرئيس جورج بوش الأب، قد أعلنه من تعهد بأن حلف الأطلسي لن يتحرك شرقاً نحو حدود روسيا. لكن رؤساء أمريكا بعد ذلك تخلوا عن هذا التعهد. وسعت أمريكا وحلف الناتو إلى التغلغل في اتجاه الشرق وصولاً إلى حدود روسيا، بما في ذلك فتح أبواب الناتو لتنضم إليه الدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق إلى أن حدثت الأزمة الراهنة حول أوكرانيا، فدعتها أمريكا وحلف الناتو إلى الانضمام للحلف.

 وتعدت المشكلة هذا الإطار بما شعر به بوتين من أن هذه المواقف تصل إلى حد تهديد الأمن القومي لروسيا، لأن اقتراب الغرب من الدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي، يمثل تهديداً للأمن القومي لروسيا. 

 ورداً على ذلك بدأت تظهر ملامح سياسات بوتين، التي يؤكد بها لشعبه وللغرب عموماً، قدرته على استعادة المكانة التاريخية لروسيا كقوة عظمى، والتي يريد الغرب طمسها.

 ولما كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يمثل القطب الآخر في هذا الصراع، فإنه بدا حائراً بين نقيضين، فهو رئيس القوة العظمى الأساسية في التحالف الغربي، وهو يدرك في الوقت نفسه أنه جاء إلى رئاسة أمريكا التي لم تعد هي ذاتها أمريكا في وضع القوة العظمى المالكة لزمام قيادة العالم، وتحريك أحداثه عالمياً وإقليمياً.

 وفي العمق النفسي لعقل أي رئيس أمريكي أو لمعظم المواطنين العاديين، ما وصفه المؤرخ ريتشارد هوفستاد، من أن الأمريكي يرى أن بلاده لا تحتاج لتكون لها إيديولوجية تحرك سياستها كبقية الدول، لأنه مقتنع بأن أمريكا في حد ذاتها إيديولوجية، وأن تلك الفكرة لا تزال متأصلة نفسياً وعقلياً في الخيال السياسي الأمريكي.

 على الناحية الأخرى يظهر سعي بوتين لاستعادة مكانة روسيا كقوة عظمى، وهو ما سبب صدمة للغرب، منذ ضمه شبه جزيرة القرم عام 2014، وسعيه إلى منع انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو. وهو إلى جانب ذلك يتحرك عالمياً بإقامة جسور تعاون مع دول في الشرق الأوسط وغيره، معتمداً في ذلك على إعادة تشييد قاعدة قوية في الداخل اقتصادياً، وفى مجال الصناعات العسكرية، والتكنولوجية، التي تتفوق فيها روسيا.

 يبقى تضارب وجهات النظر حول كون روسيا قوة عظمى، وهو ما سبق أن تحدثت عنه صحيفة «إزفستيا» الروسية عقب انتهاء الحرب الباردة بقولها: يصعب على العقل الروسي التخلي عن فكرة روسيا قوة عظمى. وهي مقولة لا يزال معناها قابعاً في العقل السياسي والنفسي الروسي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"