مصر والجزائر وآفاق التعاون

00:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

حملت زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لمصر ولقائه الرئيس عبد الفتاح السيسي دلالة تتجاوز العلاقات الثنائية بين البلدين الرئيسيين في شمال إفريقيا، رغم أهمية تلك العلاقات الثنائية للبلدين، ومع أن بين القاهرة والجزائر الكثير مما هو مشترك، خاصة في توجه البلدين إفريقيّاً، إلا أن السنوات الأخيرة من حكم الراحلين حسني مبارك في مصر وعبد العزي بوتفليقة في الجزائر نحو نهاية العقد الأول من هذا القرن شهدت عدة مطبات.

 تشترك مصر والجزائر في الموقف من مكافحة الإرهاب، الذي بدأ يتخذ من شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء والقرن الإفريقي مركزاً نشطاً له بعد تراجع وجوده في العراق وسوريا. ولا شك أن زيادة التنسيق والتعاون المصري في هذا السياق يصب ليس فقط في مصلحة مصر والجزائر المباشرة ولكن في مصلحة دول القارة السمراء في جهدها للتصدي للصعود الإرهابي في كثير من جوانبها، من ليبيا إلى مالي ومن بوركينا فاسو إلى الصومال.

 في العالم العربي ما بعد الاستقلال، بداية النصف الثاني من القرن الماضي، كانت الأنظار على ثلاث دول قوية في المنطقة بشرقها وغربها هي العراق ومصر والجزائر. ولأسباب عدة وعوامل مختلفة ليس هنا مجال تفصيلها، إذ تعرضت الدول الثلاث لمسارات غير مستوية في بناء دولة ما بعد الاستقلال. فقد شهد العراق الغزو والاحتلال الأمريكي/البريطاني له في 2003 ثم توالي جماعات الإرهاب على إنهاكه حتى القضاء على «داعش». 

 وبدت مصر في السنوات الأولى من العقد الثاني من القرن الحالي منكفئة على نفسها في محاولتها إعادة البناء والتخلص من الصعود الإخواني الانتهازي. وفي تلك الفترة، بدت الجزائر إلى حد كبير بعيدة عن اهتمام بقية دول المنطقة التي تواجه مخاطر داخلية أو قريبة. لذا، فإن جهود مصر لاستعادة الجزائر بعيداً عن احتمالات ظهور الإخوان مجدداً، وتكرار ما شهدته البلاد مطلع تسعينات القرن الماضي من عشر سنوات دموية في غاية الأهمية.

 في السنوات الماضية، حين كان تنظيم الإخوان مسيطراً على مفاصل السلطة في تونس، تباينت الرؤى بين مصر والجزائر فيما يتعلق بمواجهة الصعود الإرهابي في ليبيا وخطره على بلدان الجوار. ولعب الإخوان دوراً أساسياً في «دق الأسافين» بين البلدين، بل وبين الجزائر ودول المشرق العربي أيضاً. أما الآن، ومع انحسار نفوذ الإخوان في تونس، يمكن للتقارب المصري الجزائري أن يقي ليبيا مخاطر الانهيار أكثر، بل ويساعد في جهود تسوية الأوضاع في ذلك البلد المهم الذي يشترك بحدوده مع البلدين شرقاً وغرباً.

 صحيح أن المحللين والمراقبين من الخارج يركزون في زيارة تبون للقاهرة على موضوع عودة سوريا إلى الجامعة العربية في القمة القادمة التي تستضيفها الجزائر هذا العام. وتبدو رؤية الجزائر ومصر متطابقة تقريباً في هذا الشأن، وتشاركهما فيها دول عربية أخرى مثل الإمارات. لكن موضوع سوريا ليس القضية الرئيسية التي يمكن لمصر والجزائر أن يبنيا عليها تعاوناً قوياً يعزز استقرار الدول العربية في شمال إفريقيا وفي الوطن العربي ككل. بل ويمتد إلى زيادة التأثير العربي في إفريقيا عبر العاصمتين المهمتين: القاهرة والجزائر.

 بل إن المخاطر التي يواجهها البلدان تشكل في الواقع أساساً لتعاون أقوى بينهما. فمصر التي تحدها اضطرابات في غربها وجنوبها بعدم استقرار الأوضاع في ليبيا والسودان تشبه الجزائر التي تحدها مخاطر الإرهاب غرباً من ليبيا وجنوباً من مالي. ومع التغيرات الأخيرة في تونس، يمكن لها أن تشكل رديفاً قوياً لتعاون إقليمي في شمال إفريقيا لمكافحة الإرهاب، في القلب منه تطهير ليبيا من الميليشيات والمرتزقة والإرهابيين والتصدي لمحاولات بعض القوى الخارجية الإبقاء على دور للإخوان في أي تسوية سياسية ليبية مقبلة.

 بالطبع، تظل العلاقات الثنائية مهمة في الاجتماعات التي عقدها الرئيس الجزائري في مصر، خاصة أن مصر التي تستورد الغاز المسال من الجزائر بدأت في تطوير قدراتها على تسييل الغاز الطبيعي. وهناك رغبة مصرية في زيادة صادراتها إلى الجزائر. لكن ما بين البلدين من آفاق للتعاون أكبر كثيراً من بضع مئات ملايين الدولارات من التبادل التجاري بينهما.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"