جدلية العلاقة الروسية الأوكرانية

01:13 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. فايز رشيد

يتصاعد الجدل حول إمكانية غزو روسيا للأراضي الأوكرانية. وفي الوقت الذي يرجّح فيه كثيرون من المراقبين ما تقوله الولايات المتحدة ومعظم دول حلف الناتو من إمكانية حقيقية للقيام بهذه الخطوة إن جرت، يستبعد قلّة منهم ذلك. 
 بداية يتوجب التأكيد على أن أوكرانيا هي حليف تعتبره روسيا استراتيجياً لها، وهي من أولى الجمهوريات إضافة إلى بيلاروسيا والقوقاز التي استجابت للدعوة الروسية في زمن البلاشفة عام 1922 لتشكيل الاتحاد السوفييتي. 
 نقصد القول، إن البلدين يمتلكان علاقة متينة بينهما، وهناك مصالح مشتركة لكلّ منهما في الأخرى، وبالتالي فليس من السهل على الطرفين انفكاك إحداهما عن الأخرى.
 صحيح أنه مع تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، استقلت أوكرانيا كما كل الجمهوريات الأخرى، التي كانت منضوية تحت لوائه، ومع ذلك بقيت العلاقات بين الدول الثلاث السالفة الذكر في أوجها. من جانب آخر، من حق مطلق مراقب التساؤل: ولكن لماذا كل هذا التحشيد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية؟
 من زاوية أخرى، يصبح طبيعياً أن تنفخ دول كثيرة في «كور» دعوة دول جمهوريات البلطيق الثلاث (إستونيا،لاتفيا وليتوانيا) لإذكاء هذا الخلاف وتضخيم التحشيد، لذا فهي دعت إلى تسليح أوكرانيا.
 معروف أن دول البلطيق المعنية حتى أثناء انضمامها الطوعي أو القسري للاتحاد السوفييتي كانت تغرّد في واد وعموم جمهوريات الاتحاد في واد آخر. عملياً، كانت مسيرتها بمثابة السوس الذي ينخر جسد ذلك الاتحاد، ولعبت دوراً مهماً في العمل على تفكيك الاتحاد السوفييتي وتشظيه.
 من جانبها، قامت الولايات المتحدة بتسليح أوكرانيا من خلال إرسال تسعين طناً مما وصفته ب «المساعدة الفتاكة» لكييف، وذلك بعد أيام من محادثات روسية أمريكية جرت في جنيف حول الأزمة الروسية - الأوكرانية. وتعد الشحنة التي وصلت إلى أوكرانيا هي الأولى ضمن وعد جديد من الرئيس الأمريكي جو بايدن بتقديم المزيد من المساعدات العسكرية. وقالت السفارة الأمريكية فيها، إن الشحنة تضمنت صواريخ مضادة للدروع والطائرات. 
 وما زلنا نذكر أزمة «خليج الخنازير» بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة عام 1962 حين قامت موسكو بنصب صواريخها الموجهة إلى أمريكا في كوبا. وقد تم حلّ تلك الأزمة آنذاك بعد محادثات جرت بين البلدين، فهل سيعيد التاريخ نفسه في أوكرانيا؟.
 حالياً، طلبت واشنطن والدول الغربية (دول الناتو تحديداً) من كييف أكثر من مرّة وضع قواعد صواريخ في أراضيها موجّهة لروسيا، وأغلب الظن أن كييف سوف لن تقبل بأن تكون أراضيها منطلقاً لتهديد جارتها الروسية، ولذلك قد يتم حلّ المسألة دبلوماسياً، وبذلك ينتفي السبب الرئيسي لقيام روسيا بغزو جارتها الأوكرانية.
 التهديد الروسي يحمل بين طياته رسالة موجّهة إلى دول الناتو والغرب بشكل عام. لذلك يرى خبراء غربيون أن التحشيد العسكري يقدّم لموسكو عدة خيارات واسعة، من بينها توجيه ضربات عسكرية محدودة على بعض النقاط الاستراتيجية الأوكرانية دون عبور الحدود.
 من جانب آخر، أعلنت أوكرانيا تعرضها لهجوم سيبراني ضخم استهدف عدداً من وزاراتها. توازياً مع ذلك، غادرت سفن روسية حاملة ناقلات للدبابات متجهةً نحو الحدود مع أوكرانيا ويُشتبه أن جزءاً منها يتجه نحو البحر الأسود. ويشير مدير الأبحاث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ويليام ألبيرك إلى أن «الروس أعلنوا إجراء تدريبات ضخمة في بيلاروسيا من 9 إلى 20 شباط/ فبراير»، وهم في طور نقل شتى أنواع المعدات العسكرية، وطائرات قتالية. ويستنتج من ذلك أن «أوكرانيا ستكون محاطة بالكامل بحوالي مئة مجموعة مسلحة قريبة من روسيا. فمن الشمال تقع بيلاروس حليفة روسيا، ومن الجنوب تتواجد قوات روسية في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في 2014، ومن الشرق تقع منطقة الدونباس حيث تدور مناوشات مع انفصاليين موالين لموسكو.
 ورغم لقاء وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بنظيره الروسي سيرجي لافروف مؤخراً، فقد حذّر بلينكن من أنّ«أي تجاوز روسي للحدود الأوكرانية سيقابله رد فعل سريع وقاسٍ من الولايات المتحدة». إثر ذلك نفى الكرملين تخطيطه لهجوم عسكري على أوكرانيا، مشدّداً على أن خفض التصعيد يمرّ بضمانات مكتوبة. لذا يرى ماتيو بوليج من مركز تشاثام هاوس البريطاني للأبحاث أن«روسيا تتحضر من الناحية العسكرية لعدد كبير من الاحتمالات»!، مشيراً إلى أن موسكو تتعرض لضغط بفعل عامل الوقت،إذ«من الصعب أن تحتفظ ب 100 ألف عسكري بعيداً عن قواعدهم لفترة طويلة». 
 يبقى القول إن التحشيد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية يحمل أهدافاً سياسية بشكل عام ومن أهمها، الضغط على كييف لرفض إقامة قواعد عسكرية على أراضيها تابعة لحلف الناتو، ومنع تهديد روسيا من الجمهورية المجاورة لها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية، وهو من الخبراء في الصراع الفلسطيني العربي-"الإسرائيلي". إضافة إلى أنه روائي وكاتب قصة قصيرة يمتلك 34 مؤلفاً مطبوعاً في السياسة والرواية والقصة القصيرة والشعر وأدب الرحلة. والمفارقة أنه طبيب يزاول مهنته إلى يومنا هذا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"