تجارب كورية مشفرة

01:16 صباحا
قراءة دقيقتين

سلسلة التجارب الصاروخية الباليستية التي أطلقتها كوريا الشمالية خلال الشهر الماضي، لا تقتصر على إشعار الجميع بأنها استأنفت تجاربها النووية، وإنما تحمل في ثناياها رسائل مشفرة موجهة إلى الجوار الإقليمي وإلى الولايات المتحدة على وجه الخصوص.
 خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي، نفذت كوريا الشمالية سبع تجارب صاروخية كان آخرها يوم الأحد الماضي، حين أطلقت صاروخاَ باليستياً من نوع «هواسونج -12»، وهو نفس الصاروخ الذي كانت قد هددت، ذات مرة، باستخدامه لاستهداف جزيرة غوام الأمريكية. وخطورة هذا الصاروخ أنه قادر على حمل رؤوس نووية، ويصل مداه إلى 4500 كيلومتر، بحسب تقديرات المحللين، ما يؤشر إلى أن بيونج يانج التي دخلت نادي الدول النووية غير الشرعية، تستعد لاستئناف اختبار الصواريخ بعيدة المدى، ناهيك عن إطلاق صاروخ أسرع من الصوت ب16 مرة، كما تم الإعلان عنه، ما أثار الكثير من التوتر والقلق لدى دول الجوار الإقليمي، وكذلك لدى الولايات المتحدة. 
 لكن السؤال هو لماذا اختارت بيونج يانج هذا التوقيت بالذات للقيام بهذه التجارب الصاروخية؟، وهل تطمح بتكرار سيناريو عام 2017 حين أجرت سلسلة تجارب مشابهة وردت عليها واشنطن آنذاك بأنها ستواجه ب«النار والغضب» لينتهي الأمر في عام 2018 بمفاوضات بين الجانبين ولقاء قمة بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، أسفر عن تجميد التجارب الكورية الشمالية، واتفاقات وصلت إلى حد نزع السلاح النووي الكوري الشمالي مقابل رفع العقوبات وتقديم مساعدات اقتصادية أمريكية ضخمة إلى بيونج يانج. 
 لكن يبدو أنه لم يتم الالتزام فعلياً لا بوقف التجارب ولا بتقديم المساعدات، وبالتالي فقد عادت لعبة المقايضة إلى الظهور، في ظل حاجة كوريا الشمالية الماسة إلى فك العزلة الدولية، والحصول على مساعدات عاجلة؛ بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية على نحو غير مسبوق.
 وإذا كانت كوريا الشمالية تبرر استئناف تجاربها الصاروخية بحماية شعبها وأراضيها في ظل حالة من عدم اليقين والاضطراب العالمي تقترب من الفوضى، فإنها، في الواقع، اختارت التوقيت الأكثر حساسية، والأكثر إثارة للمشاكل الدولية؛ حيث ينهمك العالم في معالجة الأزمة الأوكرانية، وهي الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية، ناهيك عن البؤر الإقليمية المتفجرة، والحرب التجارية الأمريكية الصينية، والصراعات الجيوسياسية كما هو الحال بالنسبة لتايوان وبحر الصين الجنوبي، وتشكيل تحالفات جديدة على غرار تحالفي «أوكوس» و«كواد» لمواجهة الصين.
 في خضم هذا التوتر العالمي، ردت الولايات المتحدة بأنها مستعدة للحوار، وإطلاق مفاوضات غير مشروطة مع بيونج يانج، وإن كانت قد تعهدت برد، لم يكشف عنه، لإظهار التزامها بحلفائها وتوفير الحماية لهم. لكن يبدو أن بيونج يانج تريد قبض الثمن مسبقاً مقابل وقف تجاربها الصاروخية، استناداً إلى فشل تجاربها التفاوضية السابقة والتي انتهت إلى لا شيء. فهل تستجيب واشنطن لمنطق بيونج يانج أم أن الأمور ذاهبة إلى مزيد من التصعيد الذي قد ينعكس سلباً على حالة الأمن والاستقرار مع دول الجوار الإقليمي؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"