معالم السياسة الغربية في أوكرانيا

00:58 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

كشفت الجلسة الطارئة لمجلس الأمن الدولي التي عقدت يوم الاثنين الماضي (31-1-2022) لمناقشة الأزمة الأوكرانية عن أهم معالم السياسة الغربية في هذه الأزمة وهي، أولاً: العمل على احتواء الأزمة ومنع اجتياح روسيا لأوكرانيا. ثانياً: اعتماد الردع وأدواته المختلفة وليس الحرب لمنع روسيا من غزو أوكرانيا، وثالثاً: اعتماد الضغوط القصوى الاقتصادية والعسكرية ضد روسيا في حال قيام الأخيرة بغزو أوكرانيا.

 نجحت الولايات المتحدة في تحقيق مكسب دبلوماسي على روسيا مرتين يوم الاثنين الماضي، الأولى عندما نجحت في حمل مجلس الأمن تبني وجهة النظر الأمريكية «الدعائية» التي تتهم روسيا بالعزم على غزو أوكرانيا بحشدها أكثر من مئة ألف جندي على حدود أوكرانيا. فرغم كل الجهود التي بذلها رئيس الوفد الروسي بالأمم المتحدة فاسيلى نيبينزيا لمنع انعقاد الجلسة تمكنت ليندا توماس جرينفيلد رئيسة الوفد الأمريكي من إقناع عدد كاف من أعضاء المجلس ال 15 بالاجتماع.

 أما المكسب الثاني، فهو أن المجلس انعقد تحت العنوان الذي أرادته واشنطن وهو «التهديدات للأمن والسلم الدوليين». وكان المشهد هو «تدويل الأزمة الأوكرانية وجعلها شأناً عالمياً»، ومن ثم وضع «خطوط حمراء دولية» أمام أية نوايا روسية لغزو أوكرانيا، وهذا ما أدركه رئيس الوفد الصيني زانج جون الذي دعم الموقف الروسي الذي ينفي أي نوايا لغزو أوكرانيا. فقد اعترض على انعقاد الجلسة العلنية، وشدد على أن «الوقت الآن للدبلوماسية الصامتة لا لدبلوماسية الميكروفونات» وقال «تعارض الصين عقد مجلس الأمن لهذه الجلسة المفتوحة بناء على طلب الولايات المتحدة».

 مداخلة المندوبة الأمريكية كانت تركز على «التشهير العلني» بالموقف الروسي وتضخيم الخطر، معتبرة أنه «يهدد النظام الدولي» القائم على «مبدأ أن دولة لا يمكنها ببساطة إعادة ترسيم حدود دولة أخرى بالقوة، أو جعل شعب بلد يعيش في ظل حكومة لم يخترها». وهكذا يمكن القول إن هدف احتواء الأزمة والحيلولة دون تمكين روسيا من غزو أوكرانيا قد تحقق، وهذا ما كانت تريده واشنطن، رغم كل ما وصلها من تأكيدات روسية رسمية وتصريحات على لسان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرجي لافروف من نفي لمزاعم الغزو الروسى المحتمل لأوكرانيا.

 المعلم الثاني للسياسة الغربية الخاص باعتماد الردع بأدواته المختلفة وليس التهديد بالحرب تأكد من مداولات تلك الجلسة وتعليقات الرئيس الأمريكي جو بايدن التي واكبت انعقاد جلسة مجلس الأمن، وقوله إن «اجتماع مجلس الأمن الدولي خطوة حاسمة لجعل العالم يوحد الصوت بشأن هذه الأزمة»، وتحذيره روسيا بقوله «إذا تخلت روسيا عن المسار الدبلوماسي وغزت أوكرانيا ستتحمل المسؤولية وتواجه عواقب وخيمة». لم يذكر بايدن كلمة الحرب، وهذا ما حرص على تأكيده الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ب«نفيه عزم الحلف إرسال قوات إلى أوكرانيا في حال أقدمت روسيا على غزوها». والبديل للحرب هو ما ركز عليه القادة الغربيون بالتهديد بفرض «عقوبات غير مسبوقة» على موسكو إذا شنت هجوماً. وإذا كان ينس ستولتنبرج الأمين العام لحلف شمال الأطلسي قد أكد أنه لا توجد لدى الحلف أية خطط لنشر قوات قتالية في أوكرانيا، وأنها «ليست من أعضاء الحلف» فإن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون اقترح على الحلف نشر قوات وأسلحة وسفن حربية وطائرات مقاتلة في أوروبا (الشرقية) في إطار «عملية انتشار عسكري كبير رداً على تصاعد العداء الروسي لأوكرانيا»، ومن المقرر أن تتم دراسة هذا الاقتراح في اجتماع للقادة العسكريين في بروكسل مطلع الأسبوع المقبل.

 وإلى جانب سياسة «الردع» يأتي المعلم الثالث للسياسة الغريبة إزاء تصاعد مخاطر الأزمة الأوكرانية، وهو اعتماد العقوبات كسلاح ضد موسكو، إلى جانب الكشف عن الدعاية والتضليل في الإعلام والدبلوماسية ضد روسيا. وفي حين تهدد إدارة بايدن بحزمة عقوبات مؤلمة وقاسية على روسيا في مجالي الطاقة والمصارف والنخبة المحيطة بالرئيس بوتين، يشكك الخبراء في جدوى هذه السياسة أخذاً في الاعتبار تجارب أمريكية سابقة فاشلة في هذا المجال مع أكثر من دولة أرادت واشنطن معاقبتها. لكن الصعوبة الأهم هي المردود السلبي للعقوبات الخاصة بالغاز الروسي هي انعكاساته السلبية على الدول الأوروبية التي تعتمد بدرجة كبيرة على وارداتها من الغاز الروسي، خصوصاً إذا قررت روسيا أن تحجب الغاز عن أوروبا رداً على العقوبات الأمريكية.

 بعض الخبراء يلفت الانتباه إلى أن اللقاء الذي جمع الرئيس بايدن وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الاثنين الماضي في واشنطن ربما يكون قد بحث إمكانية دخول الغاز القطري كداعم للسياسة العقابية الأمريكية ضد روسيا، لكن التزامات قطر نحو المستوردين الآسيويين وعلاقاتها المتشعبة مع روسيا ربما تحول دون نجاح هذا المسعى، الأمر الذي يثير تساؤلات مهمة حول جدوى هذه السياسات إذا قررت روسيا غزو أوكرانيا، فضلاً عن أن واشنطن تتعمد تجاهل المطالب الروسية حسب ما صرح الرئيس الروسي عقب اتصاله الهاتفي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون (28-1-2022) بأن بلاده «لم تر في الرد الأمريكي المقدم رسالة ضمانات أمنية تراعي الهواجس الأساسية لروسيا».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"