عادي

التدين الشكلي.. اغتيال لبهجة الحياة

23:02 مساء
قراءة 6 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

حذَّر عدد من كبار علماء الإسلام من التدين الشكلي الذي ينتشر بين الشباب في عدد من الدول العربية، ويصرفهم عن الاستمتاع بالطيبات، ويفرض عليهم حياة كئيبة لا علاقة لها بتعاليم الإسلام ومنهجه في الحياة.

أوضح العلماء أن الإسلام يرفض، ويدين التدين الشكلي، بل ويحذِّر منه؛ فهو دين عمل وأمل وطموح، ويقود الإنسان إلى حياة كلها سعادة وبهجة، ولا يحرمه من الطيبات مهما كثرت وتنوعت.

يؤكد د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف المصري، أن التدين الصادق يعني الالتزام بتعاليم الدين، والوقوف عند الأوامر والنواهي، وتجنُّب كل ما فيه شبهة حرام، واستقاء كل ذلك من علماء الدين الثقات، وليس من المتطرفين الذين يحرمون ما أحلَّه الله.

ويوضح أن التدين في حقيقته علاقة بين العبد وربه، وهو يعني الالتزام الديني والأخلاقي، بعيداً عن المظاهر الشكلية التي تسيطر على سلوك بعض الشباب من دون أن يصاحبها عمل قلبي والتزام سلوكي يجسِّد مدى التزام الشخص بتعاليم دينه، ولذلك رأينا من يتظاهر بالتدين، ويطلق لحيته ويقصر ثوبه، ويتعامل مع الناس بغلظة، ويحكم على خلق الله بالكفر والفسق، من دون أن يتعرَّف إلى سلوكهم، أو يتحاور معهم.

ويشدد جمعة على أن الإسلام لا يقر منهج ولا سلوك هؤلاء الذين يجسِّدون التدين الشكلي، ولا يفهمون من الإسلام إلا القشور، ويخالفون ما جسَّده لنا رسولنا العظيم صلوات الله وسلامه عليه، ولذلك تجب مقاومة هذا الشكل من التدين بكلِّ قوة، لأنَّه ينشر اليأس والإحباط بين الأجيال الجديدة من أبناء المسلمين، وهم الذين نعلق عليهم الآمال في التغيير المنشود لمجتمعاتنا، وفق قيم وأخلاق الإسلام، وبعيداً عن مفاهيم المتطرفين المغلوطة.

وعن سلوك بعض المتدينين الذين يسيطر عليهم الهم والغم والنكد معظم الوقت، يقول د. جمعة: «هذا من تبعات التدين المغلوط الذي نعانيه في كثير من بلادنا العربية، فديننا العظيم كله بهجة وسعادة، ولا يفرض على من يلتزم به هذه المشاعر السلبية، بل يدفع إلى طاقات إيجابية تجعل الإنسان يعمل وينتج ويستمتع بالطيبات، بعيداً عن المحرمات».

ويضيف: «لو عرف هؤلاء المحبطون اليائسون تعاليم الدين الصحيحة، لأدركوا أن ما يفعلوه مخالف لتعاليم الإسلام، ومعصية لله ورسوله؛ فالإسلام لا يعرف الكآبة المصطنعة، وهو دين يشيع روح الأمل والتفاؤل والثقة في النفس، والرغبة في الإصلاح، والتغيير للأفضل في نفوس كل أتباعه، ولذلك فإنَّ كآبة المتدينين من صنع أنفسهم، وهي ثمرة تدينهم الشكلي».

وأشار إلى أن «على هؤلاء العابسين المتجهمين أن يدركوا أن طلاقة الوجه من سيم المؤمنين، والصالحين، ودليل على سعة الأفق، والاستنارة في فهم الدين، حيث يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (لا يحقرن أحدكم عملاً من الخير، ولو أن يلقى أخاه بوجه طلق)، ويقول أيضاً: (تبسمك في وجه أخيك لك صدقة)، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أخبرنا صحابته الكرام رضوان الله عليهم (دائم الْبِشْرِ، سهل الخُلُق، لَيِّنَ الجانب)، بل إن الأنبياء جميعاً بعثوا رحمة للعالمين، وكانت رسالة الأديان كلها رسالة التسامح والتيسير في أسمى معانيهما، والعلماء هم ورثة الأنبياء».

التزام
يؤكد د. على جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، ومفتي مصر السابق، ورئيس لجنة الشؤون الدينية في البرلمان المصري أنَّ «الدين في حقيقته التزام سلوكي وأخلاقي، وليس هناك سمت مخصوص للشخص المتدين، وكل من ينشغل بالمظهر في مسألة التدين يفرط كثيراً في جوهره، فقد تجد شخصاً يرتدي ملابس حسنة المظهر، ويهتم بأناقته أمام الآخرين، ويلتزم بتعاليم الدين -أمراً ونهياً- ويتجنَّب الشبهات، ويتعامل مع الناس بخلق حسن، فهذا هو المسلم الحق، وفي المقابل قد تجد شخصاً يطيل لحيته، ويتعامل مع الناس بقسوة وعنف، ويوزِّع اتهاماته على خلق الله، فلا علاقة لهذا الشخص بالدين من قريب أو بعيد، ولحيته الكثيفة ليست علامة تقوى وتدين».

ويتحفظ جمعة على دعاة الإسلام الذين يجنحون إلى الجدية المصطنعة، ويشقون على الناس، ويطالبهم بالعودة إلى تعاليم القرآن الكريم الذي يطالبهم بالدعوة إلى الله «بالحكمة والموعظة الحسنة» ومجادلة المخالفين والمعاندين بالتي هي أحسن، كما ينبغي أن يتأسوا برسول الله (صلوات الله وسلامه عليه) الذي ترجم في مسيرته الدعوية قول الحق سبحانه: «وقولوا للناس حسناً».

ويضيف: «دين الله يسر لا عسر، ورسالة العلماء والدعاة، تجسيد مظاهر التيسير للناس، وليس المشقة عليهم، والداعية يجب أن يكون قدوة في سلوكه، وأن يظهر على الناس بوجه طلق وسمت طيب، وأن ينشر البهجة والسعادة في نفوس من يدعوهم ويوجههم إلى هداية الدين؛ فالإسلام دين ينشر القيم والطاقات الإيجابية، وكله أمل وتفاؤل ورحمة وتسامح».

وأفاد د. جمعة بأنَّ «بعض المتدينين، أو الكثير منهم، يخلطون بين «الزهد الإيجابي» و«الزهد السلبي»، ولذلك تجدهم يستكثرون على الناس أن يتمتعوا بما أنعم الله عليهم به من خيرات، فيحرِّمون كلَّ شيءٍ، من دون أدلة وبراهين على ما يقولون».

ويضيف: «التدين لا يحرم الإنسان من أن يأكل ما لذَّ وطاب مما أحله الله من دون إسراف، أو عبث بالنعم، أو تفاخر بها، التدين لا يحرمك من الإقامة في مسكن جميل، أو امتلاك سيارة فاخرة، ولا أن تسافر هنا أو هناك لكي تستمتع، وتدخل البهجة على نفسك ومن تعول، ومع كلِّ ذلك واجبك أن تعمل وتنتج، حتى ولو كنت تمتلك ما يكفيك طوال حياتك ويفيض، الدين يدفع من يلتزم به إلى كلِّ ذلك. من هنا، فإنَّ الحرمان من نعم الله ليس علامة تقوى وورع، ولا علاقة لذلك بالتدين، ولا بالزهد الذي يدعمه الدين ويحث عليه؛ الزهد الذي يدعمه الدين يعني عدم التكالب على الدنيا، والانشغال بتكثير الأموال عن عمل الخير، والإنفاق على الفقراء وأصحاب الحاجات».

ويرى د.جمعة أنَّ مفاهيم التدين السلبية تشكل خطراً كبيراً على عقول أطفالنا وشبابنا، فهي تقتل روح الأمل والطموح في نفوس الأجيال الجديدة المنوط بها الانتقال بالأمة من الركود الحضاري إلى آفاق التقدم والنهضة واستعادة أمجادنا الحضارية، ويقول: «الإسلام دين حياة ونهضة وتقدم حضاري وعمل وإنتاج دائم، ويربي الجميع على حياة الكفاح والطموح والمنافسة الشريفة للارتقاء بواقعه وواقع المجتمع الذي يعيش فيه. الزهد في الدنيا والابتعاد عن مطالب الحياة الدائمة والمتجددة ليس مطلباً دينياً؛ بل هو سلبية، وركود، واستسلام يرفضه الإسلام، ويدينه».

الزهد السلبي من أدوات المتطرفين

يؤكد د. مجدي عاشور المستشار الأكاديمي وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أنَّ التدين الرشيد ينشر الطاقات والقيم الإيجابية، ويواجه كل السلوكيات والقيم السلبية، ولذلك يجب أن تتواصل جهود العلماء والدعاة وخطباء المساجد في كلِّ البلاد العربية لنشر القيم الإيجابية، ومواجهة التدين الشكلي الذي تتبناه جماعات التطرف.

ويقول عاشور: «الزهد السلبي من مظاهر التدين الشكلي التي يحاول المتطرفون غرسها في نفوس شبابنا، ومن المهم مواصلة الجهود الدعوية في كل البلاد العربية والإسلامية لإنقاذ الشباب من براثن المتطرفين، والتأكيد على أنَّ الإسلام يرفض أن يعيش المسلم في عزلة عن المجتمع، ولا يهتم كثيراً بالمظاهر الشكلية، ويفرض على الإنسان أن يعمل لدنياه كما يعمل لآخرته، ويحاسبه على حرمان نفسه من الطيبات ورفض مباهج الحياة».

ويضيف: «الإسلام منهج حياة متكامل، ولا يمكن أن يختزل في لحية كثيفة، وجلباب قصير، وسواك، كما نرى في سلوكيات البعض، وكل من يعرف الإسلام على حقيقته يدرك أنَّه دين حياة وحركة دائمة للإنسان، ويفرض على المسلم أن يندمج مع المجتمع الذي يعيش فيه، وأن يتجاوب مع العلوم والمعارف والخبرات الجديدة، وأن يتسلح بالعلم والمعرفة المفيدة، ويستفيد من كلِّ ما هو جديد، ويوظفه لتنمية قدراته، ولصالح مجتمعه».

وأوضح عاشور أنَّ الالتزام الديني لا يفرض على المسلم حياة جافة وكئيبة وحرمان النفس من الطيبات كما يتوهم البعض، ويقول: «الدين لا يعادي الحياة، ولا يحرم المسلم من متعة نافعة ومفيدة من متع الدنيا، فالإسلام يحث المسلم على النظافة والتجمل والاستمتاع بكلِّ ما في الكون من أدوات ومظاهر للجمال، ويحث الإنسان على الاستمتاع بكل الطيبات».

لذلك يطالب د. عاشور بضرورة الاقتراب أكثر من عقول الشباب، وتشجيعهم على التدين الصحيح، وتقديم النصائح والتوجيهات الدينية الخالصة لهم، لكي يكون تدينهم تديناً حقيقياً خالياً من الرياء والاهتمام بالمظهر على حساب الجوهر، وأن نوضح لهم أنَّ التدين الحقيقي ليس رسوماً، ولا أشكالاً، ولا طقوساً مظهرية، وإنَّما هو علاقة تربط بين الإنسان وربه، فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى صورنا وأشكالنا، ولكن ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا كما جاء في الحديث النبوي الشريف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"