عن أية معلومات نتحدث؟

00:56 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

نحن نردد الكثير من المقولات التي تمر عليها عقود من دون مساءلتها أو نقدها، فمثلاً لم يختبر أحدهم مقولة «عصر انفجار المعلومات» والتي تغنّينا بها لسنوات، ورددها الكثيرون منذ تسعينات القرن الماضي، من دون تحديد معناها بالضبط، ولكنه الخوف من السؤال، وهو شعور ثقافي معتاد وطبيعي عندما يرتبط الأمر بشيء أحيط ببعض الغموض والتفخيم والنقل عن الآخرين، خاصة أن المقولة صاحبتها دعوات خلابة ورنانة عدة، مثل أن المعلومات أصبحت على قارعة الطريق متاحة للجميع.

    ولكننا لم نطرح وقتها أسئلة من قبيل ماذا سنفعل بهذه المعلومات؟ وكيف سنوظفها بطريقة تحقق أكبر استفادة ممكنة؟ وبعد مرور كل هذه السنوات على رواج المقولة، لم يسأل أحدهم أيضاً إلى أي مدى انعكست هذه المعلومات على المستويات كافة: الإنتاج النظري النخبوي، ومراكز الأبحاث والدراسات، والقدرة على التأثير في الوعي العام. ويبدو أن ما حدث أننا كنا ضحايا طوفان تلك المعلومات، حيث تراجعنا في جميع تلك المستويات، فلا أفكار صدرت في أطروحات جديدة وخلاقة تعتمد على ذلك «الكنز» من المعلومات، ولا طفرة في عمل مراكز الأبحاث، والوعي في تراجع مستمر، بل إن المفارقة الواضحة جداً أن التأليف الموسوعي شبه غائب وفي مختلف حقول المعرفة.

   إننا عندما نتجول في تاريخ توظيف المعلومات سنلاحظ أن فترات الازدهار الفكري استثمرت تلك المعلومات في زخم من الأطروحات التي أثارت النقاش، ووصلت إلى الجميع بعدة وسائل، ووجدت بعض هذه الأطروحات طريقها إلى التطبيق على أرض الواقع. أما زمن التراجع فتميز دوماً بشروح وملخصات وتعليقات على تلك الأطروحات، فضلاً عن معاجم وقواميس وموسوعات تحاول حفظ المعرفة من الضياع. فالأصل في الزمن الأول توظيف المعلومات في الإبداع، أما التقليد والحفظ فهما أبرز خصائص الزمن الثاني.

   نعم نعيش عصر انفجار المعلومات، ولكنه عصر مراوغ لا نستطيع أن نصفه حتى بالتدهور والتراجع، يتسم بمعلومات فائضة من دون رابط أو ناظم، هي المعلومات عندما تكون سيالة ومتدفقة وسريعة وعسيرة على البقاء، ومن ثم الإمساك والتحليل. هي المعلومات المتشظية التي تصيب الراغب في التفكير بالبلبلة، والثقافة بالتشتت، وتمنح شرائح واسعة إمكانية الدخول في فئة المثقفين وشرائح أوسع زهو المعرفة الفارغ من المضمون الحقيقي. هي المعلومات في زمن الجماهير الغفيرة عندما يتطابق الأصلي والزائف إلى الدرجة التي نعجز فيها عن تحديد المفاهيم والمصطلحات. هي المعلومات المقروءة ولكنها لا تتخطى الأذن أو عبور البصر، وحيث لا يمكن البناء عليها، ومن ثم غربلتها أو الدخول من خلالها في عملية طويلة ومعقدة من التفكير. 

   المعلومة أساس «المعرفة» بأكملها، تلك الكلمة التي نتعامل معها بسطحية في إعلامنا، فلا نعرف ما هي المعرفة على وجه الدقة؟ أحياناً ما نتعامل معها بوصفها مطابقة لمفردة الثقافة، ومرة ثانية بوصفها دالة على حزمة من المعاني مثل العلم والإبداع والابتكار والإعلام..إلخ. هو التخبط حتى في غياب التعريفات المدرسية للأشياء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"