عادي

هل انتصر بوتين ؟

00:54 صباحا
قراءة 4 دقائق
223

كتب - المحرر السياسي:

تراوح الأزمة الأوكرانية مكانها ظاهرياً في غياب أفق الحل، بينما تشهد تصعيداً يومياً في الحشود العسكرية لدى الجانبين. إلا أن أبرز ما أسفرت عنه من النتائج حتى الآن هو انقسام دول الغرب الذي يمكن اعتباره مكسباً أولياً لروسيا التي تصّر في الحصول على ضمانات أمنية بشروطها هي، ما يزيد من احتمالات انسداد أفق الحل.

تصاعدت حدّة التوترات، وسط رهانات ومخاوف من احتمال الغزو الروسي لأوكرانيا الذي يراه البعض وشيكاً، في وقت تستمر فيه تدفقات الجيوش والأسلحة والمعدّات من أطراف عديدة باتجاه أوكرانيا. وبين مساعي التهدئة والتلويح بالتصعيد تعلو موجة التوتر وتنخفض تباعاً.

ولم تحقق المكالمة الهاتفية الأخيرة بين وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين أي جديد، وإن كانت تبعث الأمل باحتمال الاستمرار في البحث عن مخرج عبر المفاوضات.

وتطلب روسيا رداً مكتوباً على مطالبها، بما في ذلك وقف توسيع الناتو. في الوقت الراهن، قد يشعر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالارتياح من الجمود الحالي الذي ينتاب موقف الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو. ذلك لأن بوتين يلعب لعبة خطيرة من سياسة حافة الهاوية فيما يتعلق بأوكرانيا. صحيح أنه نجح في التشكيك في قوة التزام الناتو تجاه تلك الدولة، وسلط الضوء على انقساماته الداخلية، وأجبر العالم على إيلاء اهتمام أكبر للقوة الروسية، وقد يتمكن حتى الآن من انتزاع تنازلات من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، لكن بوتين يخاطر أيضاً بإلزام نفسه القيام بمغامرة عسكرية في أوكرانيا مكلفة مادياً وسياسياً.

كان وقف توسع الناتو أحد أهداف السياسة الخارجية الرئيسية للكرملين لعقد من الزمان، لكن نهج بوتين لم يسفر عن نتائج تذكر. ونجح الهجوم الروسي على أوكرانيا منذ عام 2014 فقط في جعل عضوية الناتو أكثر جاذبية لها ولجورجيا.

علاوة على ذلك، فشلت الإجراءات الروسية في منع البلدان المرشحة الأصغر حجماً، من الانضمام إلى التحالف، بعد انضمام جمهورية الجبل الأسود ومقدونيا في عامي 2017 و 2020 على التوالي.

بوتين والداخل

ويحمل تصعيد التوترات بشأن أوكرانيا أيضاً مخاطر داخلية على بوتين لا يمكنه تجاهلها. فقد تطلّب ضم الكرملين لشبه جزيرة القرم في عام 2014 والتدخل في منطقة دونباس الشرقية بأوكرانيا، تضحيات قليلة عزز الدعم السياسي لبوتين في الداخل. لكن من غير المرجح أن يؤدي غزو شرق أوكرانيا الآن إلى تحقيق مكاسب سياسية مماثلة، حيث أظهرت استطلاعات الرأي في روسيا منذ فترة طويلة دعماً شعبياً منخفضاً لمثل هذه الخطوة ؛ ويؤيد ربع الروس فقط دمج دونباس في روسيا.

أضف إلى ذلك أن التكاليف المحتملة لمثل هذا الغزو على روسيا اليوم أكبر مما كانت عليه في عام 2014. وسوف تؤدي الخسائر الكبيرة في القوات إلى قلب الرأي العام ضد بوتين، في حين أن العقوبات الغربية الشديدة ستلحق المزيد من الضرر بالاقتصاد الروسي.

وعلى الرغم من اتهاماته المتكررة بأن الناتو يشكل تهديداً لروسيا، فقد يعتبر بوتين المواجهة الحالية وسيلة للبرهنة لكل من أوكرانيا ودول أوروبا الشرقية الأخرى، أن التزامات الناتو والولايات المتحدة تجاهها ضعيفة جداً. ويمكن القول إن الرئيس الأمريكي جو بايدن عزز هذا الانطباع في المؤتمر الصحفي الذي عقده في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما بدا أنه يشير إلى أن «توغلًا طفيفاً» من جانب روسيا في أوكرانيا من شأنه أن يؤدي إلى رد غربي أكثر اعتدالاً من غزو شامل للبلاد.

انقسام الناتو

وتستفيد روسيا من مثل هذه الزلات، لأن الكرملين يريد بوضوح زرع الفتنة وإبراز الانقسامات بين أعضاء الناتو. وفي حين دعمت الولايات المتحدة والعديد من دول أوروبا الشرقية انضمام أوكرانيا، كان الناتو منقسماً منذ فترة طويلة حول هذه القضية، بسبب العلاقات الاقتصادية والأمنية والطاقة المختلفة التي تحتفظ به الدول الأعضاء مع روسيا.

ويكرر مسؤولو الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي التأكيد على استمرار وحدة الحلف. وبينما أشار بايدن في مؤتمره الصحفي إلى أن الحلفاء الأوروبيين ليسوا متحدين بشأن كيفية الرد على توغل روسي صغير في أوكرانيا، لم تجر مفاوضات ثنائية بين القوى الغربية الأخرى وروسيا فيما يتعلق بأوكرانيا. وهو ما اضطر وزارة الخارجية الأمريكية لتبريره وإعادة تفسيره لاحقاً. ربما الأهم من ذلك من وجهة نظر بوتين، في الوقت الذي يفضل فيه القادة الأمريكيون والأوروبيون التعامل مع صعود الصين والوباء وتعزيز التعافي الاقتصادي، أن تجبرهم الأزمة الحالية على إيلاء المزيد من الاهتمام لمصالح روسيا.

ظاهرياً، يبدو أن بوتين حاصر نفسه من خلال تقديم مطالب غير مقبولة بشأن قضية - انضمام أوكرانيا إلى الناتو - لم يكن الحصول عليها ممكناً بحال من الأحوال.

وقد عبر وزير خارجية روسيا عن ذلك في تعليقه على الرد الأولي الذي حصلت عليه بلاده بشأن ضمانات الأمن. لكن في الواقع، حقق بوتين مكاسب حقيقية من خلال الكشف عن نقاط ضعف الغرب والفوضى التي اعترت تحركاته الدبلوماسية فيما يتعلق بالتزامه تجاه أوكرانيا الذي لا يزال ضعيفاً.

ويهدف الغرب إلى التأكّد من أنّ موسكو تدرك أنّ أيّ عمل عدائي ضدّ أوكرانيا سيقابل بردّ فعل عنيف، خصوصاً ضدّ الاقتصاد الروسي، غير أنّه في المقابل إذا لم يعطِ روسيا ما تحفظ ماء الوجه، فسوف تزيد حدّة التوتّرات بين الجانبين.

وإذا قدم المفاوضون الأمريكيون والأوروبيون تنازلات رمزية، فيمكن لبوتين استخدامها لتلميع صورته. وليهدّئ من التوترات دون الضمانات المكتوبة التي يريدها، فإن تمركز القوات الروسية في بيلاروسيا والنشر الأخير لمهمة «حفظ السلام» التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا في كازاخستان، تُظهر الدور القيادي المستمر لروسيا في تحديد العلاقة بين دول الاتحاد السوفييتي السابق والغرب من جهة، وبينها وبين روسيا من جهة أخرى.

وفي ظل غياب احتمالات أي اختراق دبلوماسي في الوقت الراهن، تشكل مناورات كل من الطرفين والتهديد بشتى الوسائل، ملاذاً مريحاً لكل منهما أفضل من الدخول عملياً في صدام مهلك أو العودة إلى المربع الأول، والبحث مجدداً عن مخرج قد لايكون متاحاً لأي من الطرفين بل مفروضاً عليهما.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"