عادي
إضاءات من رحم الصناعة

الثقة الرقمية جوهر الفضاء الإلكتروني الشامل

21:13 مساء
قراءة 5 دقائق
دبي: هشام مدخنة

إذا كانت البيانات شريان الحياة للاقتصاد الرقمي، فالثقة هي قلبه وجوهره. من هذه المقولة تبني مبادرة الثقة الرقمية التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي دعاماتها في الوقت الذي يشهد فيه العالم تخبطات عنيفة ضد التكنولوجيا مع انخفاض التأييد العام للرقمنة.

كشفت مؤسسة «إدلمان» Edelman مؤخراً انخفاض الثقة العالمية في قطاع التكنولوجيا من 77% إلى 68% بين عامي 2012 و2021.

حيث أظهر المقياس ردود الفعل السلبية للجمهور ضد أكبر شركات التكنولوجيا أو موظفيها أو منتجاتها، وسط مخاوف ولّدتها جزئياً قضايا الخصوصية، والمعلومات المضللة، وشبكات الجيل الخامس، بالإضافة إلى تحيّز الذكاء الاصطناعي.

يشير فقدان الثقة الرقمية إلى القلق الذي يعانيه الكثيرون بشأن الدور الذي لعبته التكنولوجيا، ولا تزال، في حياتهم. وهو محورٌ مهم للغاية في وقت تحول فيه ملايين الأشخاص حول العالم إلى التعلم والعمل والطبابة والتجارة عبر الإنترنت لمواجهة القيود التي أحدثتها جائحة ضربت الكبير والصغير، وأدت إلى تغييرات جذرية وتبنّ سريع لأشياء كنا نظن وجودها حالة مستقبلية بعيدة.

ومن هذا المنظور، فإن ضعف الثقة في التكنولوجيا أو عدمها يهددان بمنع التعاون العالمي المفتوح لتمكين الابتكار. ولمواجهة هذا التهديد، يتعين على الشركاء من القطاعين العام والخاص أن يتجمعوا ليس فقط لتأمين الأنظمة والبيانات ولكن أيضاً لحماية ودعم التكامل التكنولوجي للابتكارات الجديدة، وإعادة بناء الثقة في الأشخاص والعمليات والتقنيات اللازمة لعالم رقمي آمن.

فماهي الخطوات التي تسعى مبادرة الثقة الرقمية التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي إلى تعميمها لتكوين إجماع عالمي وتحسين مصداقية التقنيات الرقمية من خلال الأمان والاستخدام المسؤول للتكنولوجيا؟

وللجواب على هذا السؤال استضاف المنتدى في نوفمبر /تشرين الثاني 2021، اجتماعه السنوي حول الأمن السيبراني، حيث احتلت مواضيع «الثقة الرقمية» صدارة جدول الأعمال. وخلال الاجتماع، طُلب من قادة عالميين في القطاع مشاركة أفكارهم وخبراتهم حول الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا، وكيف يمكن للأمن الإلكتروني أن يُولد ثقة أعمق في المساحات الرقمية.

وعليه، نستعرض في هذا التقرير الرؤى المنبثقة عن أربعة قادة يعملون في الخطوط الأمامية للسلامة والأمن الرقميين:

الثقة أساس العمل

قال ماثيو برنس، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة «كلاودفلير» Cloudflare في الولايات المتحدة: «إن أساس عمل شركتنا هو الثقة، ولاستمرار بنائها نطلب دوماً من عملائنا أن يثقوا بقوة ويؤمنوا بأنظمة الشركة للحفاظ على أمان بياناتهم والتأكد من تدفقها بسرعة مذهلة».

وأشار برنس: «بالنسبة لنا، فإن الجذور التأسيسية للثقة تبدأ بالشفافية، يجب أن تكون شفافاً في الأشياء التي تقوم بها داخلياً وخارجياً، وهذا يعني أنه عندما ترتكب خطأً ما، عليك تحمل مسؤوليته والتحدث عنه بوضوح مع الالتزام بعدم ارتكاب نفس الخطأ مرة أخرى. كما أن الأشخاص الذين يضعون القواعد والقوانين لدينا يخضعون للمساءلة بنفس الكيفية».

حماية العملاء أولوية

لدى سؤال جيم ألكوف، كبير مسؤولي الثقة الرقمية في «سيلزفورس» Salesforce عن دوره في جعل الثقة أولوية داخل المؤسسة أجاب: «الثقة هي حجر الأساس لشركتنا، وجوهر ثقافتنا وتقنيتنا وتركيزنا على نجاح العملاء. لذلك فإن أولويتي القصوى هي بناء ثقافة الثقة أولاً والحفاظ عليها. حيث يلتزم كل موظف من موظفي «سيلزفورس»، الذين يزيد عددهم على 50 ألف موظف، بوضع الأمان في قلب كل ما يفعلونه».

وأضاف ألكوف: «بغض النظر عن نوع العمل وطبيعته، من تكنولوجيا المعلومات والعمليات إلى المبيعات وخدمة العملاء، يلتزم كل منا بحماية عملائنا. ومنذ اليوم الأول، نقوم بتدريب موظفينا على العمل وفق درجة عالية من الوعي الأمني، والتي تتضمن اختيار كلمات مرور قوية، وتمكين المصادقة متعددة العوامل (MFA)، وإصلاح أنظمة الشركة، وغيرها الكثير من وسائل الحماية الرقمية».

إضافة إلى ذلك، أشار كبير مسؤولي الثقة الرقمية في «سيلزفورس» إلى أن المؤسسة تعمل باستمرار على تمكين العملاء للحفاظ على دورهم المهم في المسؤولية المشتركة وهي الأمن، عبر تزويدهم بمجموعة من الضوابط وأدوات التدريب وأفضل الممارسات للوصول إلى التطبيقات والخدمات ذات الصلة. في المقابل، يتم التواصل مع العملاء بشفافية وفي الوقت الفعلي لعرض كلٍّ من نجاحاتنا وإخفاقاتنا.

تعزيز الثقة والثقافة الرقميتين

تحدثت جوديث ونشيك، كبيرة مسؤولي الأمن السيبراني العالمي لدى «سيمنز إنرجي» في ألمانيا عن أسلوب العمل المرتبط بالأمن الرقمي لديهم والمطبق على الجميع ابتداء من رأس الهرم الوظيفي. حيث توفر سيمنز التدريب المناسب والصحيح لموظفيها بناءً على ملفاتهم الوظيفية، وعندما يتم ذلك، فإنهم يعملون كقيم مضافة في مجالات حيوية وأمنية كثيرة مثل تطوير التعليمات البرمجية، أو إعداد خوادم جديدة وأنظمة إدارة وصول مميزة.

كما تعمل «سيمنز إنرجي» على تمكين عملائها من الشركات والأفراد من خلال التكنولوجيا المناسبة التي تجعل من السهل عليهم فعل الشيء الصحيح، ومن الصعب في المقابل القيام بالأمور الخطأ أثناء عملهم. ليتحولوا بعد ذلك إلى «أصحاب المصلحة الموثوق بهم» الرئيسيين لمنتجاتهم وعملائهم بحيث لا يتبعون تعليمات فريق الأمن السيبراني فحسب، بل كل القواعد الصحيحة لأن هذا ما يتوقعه منهم عملاؤهم. لذلك، بحسب جوديث، يتعلق الأمر بوجود قيادة مركزية قوية يمكنها تسهيل هذه التدريبات والتعاون من أجل بناء الثقة والثقافة الرقميتين.

نسج خيوط الأمن السيبراني

عن كيفية نسج شركته خيوط الأمن السيبراني والثقة بين الأشخاص والعمليات؟ قال أودي موكادي، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي ل «سايبرآرك» CyberArk: «إن بناء مؤسسة موثوق بها يعني جعل الثقة أعلى قيمة لك. ولا يوجد أهم من كسب ثقة موظفيك وعملائك وشركائك ومجتمعاتك كل يوم».

مضيفاً: «من الآن فصاعداً، لن يتعامل العملاء مع شركات لا يثقون بها، وعلى الرغم من أن الثقة يمكن أن تكون مظلة أكبر بكثير من الأمن، بما في ذلك الأخلاق والخصوصية والتوافر والشفافية، إلا أن الأمن يظل حجر الزاوية في الثقة، وبدونه قد يكون من المستحيل تأسيس أي دعامة أخرى. لهذا السبب، الآن أكثر من أي وقت مضى، يجب على الشركات تطبيق الأمان في كل ما تفعله».

من أمان الشبكة إلى تطوير المنتجات، تؤمن «سايبرآرك» بقوة الاستثمار المفرط عندما يتعلق الأمر بأمنها الإلكتروني، وبأهمية امتلاكها أساساً متيناً للوعي بالتهديدات والتدابير الأمنية اللازمة للاستجابة. وبناء عليه قامت الشركة بتضمين متخصصي الأمان الرقميين المحترفين في كل مرحلة من مراحل دورة تطوير المنتج.

وتطرق أوكادي إلى التدريبات المتقدمة المستمرة لمحترفي الأمان المضمنين، والتي تزودهم بمعلومات حول التهديدات الناشئة وأحدث الممارسات من حولهم. وأشار إلى أن الموظفين الجدد ينخرطون على الفور بثقافة الشركة ويؤمنون بأهمية الأمن الرقمي، وأن بإمكانهم صقل مهاراتهم في بيئة آمنة وموثوقة تخلق ثقافة إيجابية لجميع المطورين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"