بالكلام العربي الفصيح

00:57 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. نسيم الخوري

أمامي وثيقة الوفاق الوطني اللبناني أوّلها: «لبنان عربي الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية». أعادنا إليها وزير خارجية الكويت أحمد ناصر المحمد الصباح حاملاً وثيقة عربية مشروعة من بضعة أفكار أو بنود من الكلام العربي الفصيح ل«حكّام» لبنان لا اللبنانيين، أنتج كلاماً دوّاراً مُقنّعاً وغير مُقنع للانتظار اللبناني العام. وكأن عدم الجدية السياسية في لبنان تظهر بين المساعدات العربية والأوضاع المهترئة كلياً و/أو الانتخابات البرلمانية. مرفوضة من جذورها لغة الدلع والاستقواءات، وطلس صورة العرب بالمحرمات في اختلاط العربي بالإقليمي والتطاولات الكلامية والعسكرية كعلامات فارقة يُفترض أن تعيد للبنان الرسمي وعيه وموقعه وفصاحته في رفعة إخواننا العرب وسلامهم.‏

 أترك الوثيقتين المذكورتين نحو مجلس وزراء الخارجية العرب حتى الغوص في قمم العرب، لا للاستغراق في تاريخها ومناقشاتها ومقرراتها؛ بل لتذكير الجميع في لبنان والعالم أنّ القمة العربية الأولى الطارئة أو غير العادية كان محورها لبنان. قد يجتمع زعماء العرب للمصادفة في دورات عادية عندما تكون الظروف استثنائية، ويجتمعون بشكل استثنائي لقضايا عادية غير طارئة. أسأل: لماذا لا نذهب لقمة عربية استثنائية في زمنٍ أكثر من استثنائي بالتعديات والانقسامات والمفاجآت، فنرفع صوتنا كعراقيين وسوريين ولبنانيين ومغربيين وجزائريين وصوماليين وليبيين في أذان الدنيا بحثاً عن الكلام العربي الفصيح؟ ‏من ناحيتنا لطالما أتعبنا العرب.

 بدأ تاريخ القمم العربية في 28- 29 مايو 1946 في أنشاص، تلتها قمة بيروت الطارئة الأولى 13 نوفمبر 1956 لدعم مصر في وجه العدوان الثلاثي. ونتج عن التئام القمة العربية الطارئة الأولى في القاهرة 13 يناير 1964 الإجماع على «إنهاء الخلافات وتصفية الجو العربي»، أعقبتها 13 قمة عادية؛ حيث كانت القمة الطارئة الأولى 16 أكتوبر 1976 بطلب من السعودية ل«وقف إطلاق النار في لبنان ورفض تقسيمه وإعادة إعماره» ثم كرت 5 قمم عادية فالقمة الطارئة لتدهور الأوضاع في لبنان والإرهاب الدولي 20 أغسطس 1985 ثمّ 7 غير عادية كرّت بعدها القمم الطارئة حتّى عام 2000؛ إذ لم يسبق للعرب أن شهدوا أقوى من مخاطر الربيع العربي.

 كانت معظم القمم مشغولة ببند الصراع العربي الإسرائيلي، ومعالجة المشكلات والأزمات العربية، بما أعطى القمم صفات الوقايات السياسية ومنع اندلاع الأزمات. طغت ردود الأفعال والمعاندات بما كان يقوض شمل العرب وتنقية أدوارهم والاعتراف المتبادل المتواضع بأدوارهم المجتمعة، تحصيناً لنهضتهم وتكاملهم ووحدتهم.

 لطالما أثّرت هاتان الديناميتان المتناقضتان سلبياً في فلسفات القمم العربية ونتائجها وفاعليتها، كما في الأمن القومي العربي ومستقبل العرب في الزمن الذي عبر فيه الأوروبيون، كما نعرف جميعاً، إلى تكاملهم ووحدتهم عبر بوابة الفحم الحجري كما عبرت المكسيك وكندا والولايات المتحدة نحو التعاون في عصر انهيار الحدود وأخفق الرئيس دونالد ترامب صاحب شعار «أمريكا أوّلاً» في رفع الجدران.

 ينتصب السؤال أمامي مجدداً ببساطة ومن لبنان الرسمي والشعبي:

 كيف لا نتواصل ونتحاور ونتفاهم نحو قمة تبدو لي أكثر من استثنائية وطارئة بكثير في زمن أكثر من استثنائي وطارئ من لبنان وسوريا والمغرب العربي وحتى الخليج التقاطاً للتداعيات التي لا حدود لمخاطرها؟

 الزمان محشور بأكثر من عنوان وتهديد يخفي مخاطر وحروباً ممكنة، على الرغم من أنه مسكون بأشد الأزمات والقضايا، ولو كانت الحجة الظاهرة مثلاً بالنسبة للبنان محصورة بالانتخابات البرلمانية المحددة في 15 أيار/مايو القادم، وتكديس الفراغات وسحب بقايا الجمهورية نحو النزاعات، وإعلان البلد الصغير مجدداً ساحة مفتوحةَ مجدداً على كلّ التدخلات الخارجية.

 أتكلّم عن لبنان وفي حبري كل أخٍ وبلدٍ شقيق أعنيه ويعنيني، بعدما تفاقمت التدخلات الإقليمية والاعتداءات الخطرة، ولهذا لا بد من إرادة عربية واسعة مسنودة إلى المبادرة الكويتية العربية المذكورة توضحياً للفصاحة الواضحة مع الأشقاء العرب وخصوصاً المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي، بما يفرض مكافحة الإرهاب ووقف تصدير الممنوعات والتطرف البغيض والربط أو السباق بين الحملات الإعلامية العنيفة وتفشي التظاهرات والحرائق.

 إنها قمة الحوار القاسي الضروري والطارئ التي نحلم بها قريباً للفصل من لبنان بين العادي والاستثنائي أو بين أزمنة الشعوب وأزمنة الأنظمة فتشيع مناخاً ونكهة وقدرات عربية ودولية لا ينبغي التفريط أو الاستهانة بها أو بنتائجها على الإطلاق؛ لأنها أكثر من منتظرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم الإنسانية، ودكتوراه في الإعلام السياسي ( جامعة السوربون) .. أستاذ العلوم السياسية والإعلامية في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ومدير سابق لكلية الإعلام فيها.. له 27 مؤلفاً وعشرات الدراسات والمحاضرات..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"