شمس الأصيل في الفن الأصيل

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل بقي شيء يقال عن صوت كوكب الشرق؟ أجمل ما قرأ القلم مقالان، أحدهما في صحيفة «لوفيجارو» بُعيد رحيلها سنة 1975، حلل صوتها خبير، من خلال روائعها في الأولمبياد بباريس 1967. والآخر للموسيقي الكبير الفنان نصير شمّة، نشر عام 2010 في «اليوم السابع» المصرية.
الثالث من فبراير كان الذكرى السابعة والأربعين لارتحال جسدها. كلما خافت موهبة غنائية السقوط في الهبوط، استندت إلى الركن الركين، ذي الإبداع المكين. بغروبها عرفنا كيف تكون الليلة الظلماء، بعد الشمس وضحاها، والقمراء ورؤاها. أمّ كلثوم معهد عالٍ للموسيقى ومناهج مدرسة كلثومية للفنون الجميلة راسية على منظومة قيم متكاملة.
منهاجها قام على فصاحة مخارج الأصوات، فانطلقت من القمة، القرآن الكريم. الإلقاء التعبيري أساس. عند سحر التبيين يلتقي الغناء بالفنون المسرحيّة. شاسع ما بين فضاءات التعبير: تأمّل الدعابة في عبارة «هو صحيح الهوى غلاّب؟». هذا غير النذير التراجيديّ الملحميّ: «أنا إن قدّر الإله مماتي.. لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي». مرح الطفولة شيء آخر: «وضحكنا ضحك طفلين معا.. وعدونا فسبقنا ظلّنا». الصراع العاطفي فيه القسوة التي يؤججها تمني العطف والحنان، تناقض درامي متوقد: «ح سيبك للزمن.. لا عتاب ولا شجن». الأعجب، أن تصدح لعشرات الملايين التي تنتظر الطرب، فإذا الطرب بعيد الأبعاد، عقائدي: «الاشتراكيون أنت إمامهم.. لولا دعاوى القوم والغلواءُ»!
تلك لقطة عجلى من المنهاج، الذي قضت «الست» في تسلّق قممه وقلله مسيرة ألف عمل غنائي رياديّ، هي أساساً ثروة أدبية ثقافية لغويّة بلاغيّة. أم كلثوم كنوز فنيّة لا تقدّر بثمن. في نصف قرن خالص من الأداء الإبداعي التصاعدي، أقامت صرحاً لا نظير له، من مكتبة موسيقية كلها تحدّيات عالية السقوف. هل تدرك الأذن كنوزه المقاميّة، والشعرية، وفنونه الأدائية؟ وماذا عن المهابة والحضور الجغرافي عربياً وعالمياً؟ أم كلثوم لم يستطع غيرها أن يجعل الفن زعامة ريادية. بصراحة: شأن كبير أن محمد عبدالوهاب كان يتمنى أن تغني عملاً من تأليفه الموسيقي هذه هي الزعامة والريادة. هي التي تتدخّل في صياغة الكلمات والألحان. رامي غيّر كلمات في ترجمة الرباعيات، بأمرها. تتدخلّ في اللحن، في المقام، القصبجي قال عنها في مواويلها: إنها تلحّن.
لزوم ما يلزم: النتيجة المقصوديّة: نريد أن يدرك المقبلون على الفن، أنه كما قال الحطيئة: «صعب وطويل سلّمه». لكن الصعوبة وطول السلّم هما الطريق إلى الخلود.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"