عادي

عذب الكلام

22:40 مساء
قراءة 3 دقائق

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

التشبيهُ الضّمْنيّ، من أجملِ أنواعِ البلاغةِ، وهو تشبيهٌ لا يُوضعُ فيه الْمُشَبَّهُ والمشبَّهُ بهِ في صورةٍ من صُورِ التشبيهِ المَعروفةِ، بَلْ يُلْمَحان فِي الترْكِيب، كقولِ أبي فراس:

يَقولونَ لي: بِعْتَ السَّلامَةَ بالرَّدى

فقُلْتُ: أما واللهِ، ما نَالَني خُسْرُ

سَيَذكُرُني قَومي إِذا جَدَّ جِدُّهُم

وَفي اللَيلَةِ الظَّلْماءِ يُفتَقَدُ البَدرُ

شبّهَ نَفْسهُ بالْبَدْر.

وقولِ أَبي الطيبِ:

كُلُّ حِلْمٍ أتَى بغَيْرِ اقْتِدارٍ

حُجّةٌ لاجِئٌ إلَيْها اللّئَامُ

مَنْ يَهُنْ يَسهُلِ الهَوانُ عليْهِ

ما لِجُرْحٍ بِميّتٍ إيلامُ

شبّهَ مُعتادَ الذُّلّ بالمَيت.

دُرر النّظم والنّثر

يَهُونُ عَلَيْهَا

البُحْتري (من الطويل)

يَهُونُ عَلَيْهَا أنْ أبِيتَ مُتَيَّما

أُعالجُ وَجْداً في الضّمِيرِ مُكَتَّمَا

وَلمْ أنْسَهَا، عِندَ الوَداعِ، وَنَثرَها

سَوَابقَ دَمعٍ، أعجَلَتْ أن تُنَظَّمَا

خَليلَيّ، كُفّا اللّوْمَ في فَيْضِ عَبرَةٍ،

أبَى الوَجْدُ إلاّ أنْ تَفيضَ وَتَسجُما

وَلاَ تَعْجَبا مِنْ فَجعَةِ البَيْنَ إنّني

وَجَدتُ الهَوَى طَعمَينِ: شهداً وَعَلقَما

ألَسْتُ المُوالي فيكَ نَظْمَ قَصَائِدٍ،

هيَ الأنجُمُ اقتَادَتْ معَ اللّيلِ أنجُما

ثَنَاءٌ كأنّ الرّوْضَ مِنْهُ مُنَوِّراً،

ضُحىً، وكأنّ الوَشيَ فيهِ مُسَهَّما

أُذَكّرُكَ العَهْدَ الذي لَيسَ سُؤدَداً

تَناسِيهِ، والوُدَّ الصّحيحَ المُسَلَّما

ليَ الذّنْبُ مَعْرُوفاً، وإن كنتُ جاهلاً

بهِ، وَلَكَ العُتْبَى عَلَيّ وأنْعِما

وَمِثْلُكَ إنْ أبْدَى الفَعَالَ أعادَهُ،

وإنْ صَنَعَ المَعرُوفَ زَادَ وَتَمَّما

وَمَا النّاسُ إلا عُصْبَتَانِ: فَهَذِهِ

قَرَنْتَ بها بُؤساً، وَهَاتيكَ أنْعُما

وَحِلَّةَ أعْدَاءٍ رَمَيْتَ بِعَزْمَةٍ

فأضْرَمْتَها ناراً، وأجْرَيْتَهَا دَما

من أسرار العربية

فروق لغوية: بَيْنَ الرُّكونِ والسُّكونِ: الرُّكونُ هو السُّكونُ إلى الشّيْء بالحُبّ لهُ، ونقيضُهُ النُّفور عنه؛ والسُّكونُ خلافُ الحَركَةِ، ويُسْتَعملُ في غَيْرهِ مَجازاً. بَيْنَ الصُّعود والارْتفاع: الصُّعودُ مَقصورٌ على الارْتفاعِ في المَكانِ، ولا يُسْتَعْمَلُ في غَيْره: ويقال صَعِدَ في السُّلّمِ والدَّرجةِ، ولا يُقال صَعِدَ أمرُهُ، والارتفاعُ والعُلوُّ يُشترطُ فيهما جميعُ ذلك، والصُّعودُ كذلك، الذَّهابُ إلى فَوْق فقط، وليسَ الارتفاعَ. بَيْنَ الاسْتماعِ والسَّمْعِ: الاسْتِماعُ هو الاسْتفادةُ مِنَ المَسْموعِ بالإصْغاءِ إليه لِفَهْم ما يُقال. والسَّمْع إدراكُ المَسْموعِ. بَيْن النِّسْيانِ والسَّهْوِ: النِّسْيانِ يكونُ عمّا كانَ؛ تقولُ: نَسيتُ ما عَرَفْتُهُ، ولا تقولُ سَهَوْتُ عمّا عرفته. السَّهْوُ يكونُ عَمّا لَمْ يَكُنْ؛ تقول: سَهَوْتُ عَنْ قِراءةِ الخَبَر. بَيْنَ الظّنّ والشّكّ: الظّنُّ رُجْحانُ أحَدِ طَرَفيّ التّجْويز؛ ويَجوز أنْ يُقالَ إنّ الظّنَّ قوةُ المَعْنى في النّفْسِ، مِنْ غَيْرِ بُلوغِ حالِ الثّقةِ الثّابتةِ. والشَّكُّ، اسْتواءُ طَرَفيّ التّجْويز، لأنّ الشّكَّ، اجتماعُ شَيْئين في العَقْل.

قال عنترة:

وَلَقَد نَزَلتِ فَلا تَظُنّي غَيرَهُ

مِنّي بِمَنزِلَةِ المُحَبِّ المُكرَم

هفوة وتصويب

يقولُ بعضُهم: «أخفقَ جَرّاء إهمالِهِ». والصَّوابُ «أخفقَ بسببِ إهْمالِهِ». في الفصيح: عَملتُ ذلك مِنْ جَرّائكَ، أو من جَرّاكَ (بتخفيف الهمزة)، أي من أجْلك.

قال اللحياني:

ومِنْ جَرَّائِنَا صِرْتُمْ عَبِيداً

لِقَوْمٍ بَعْدَ ما وُطِئَ الخِيَارُ

وتَردُ كثيراً هذه العِبارةُ في وسائل الإعلام «قدّمت المُسْتشفى فُحوصاتٍ مَجّانية»، وفيها خطآن، الأول: المُسْتَشْفى مُذكّر، ولَيْس مؤنثاً، وهو اسمُ مكانٍ منَ الفِعل «اسْتشفى»، أي طلبَ الشّفاء. والثاني فحوصات، وهو جمعٌ غيرُ صحيح، والصوابُ «قدّم المُسْتشفى فُحوصاً..». والفَحْصُ: شدّةُ الطلب خِلالَ كل شيء، وفَحَص عنه: بَحَثَ، وكذلك تفَحّصَ وافْتَحَصَ.

أمثال العرب

إِذا صَاحَبتَ في أَيّامِ بُؤسٍ

فَلا تَنسَ المَوَدَّةَ في الرَخاءِ

وَمَن يُعدِم أَخوهُ عَلى غِناهُ

فَما أَدّى الحَقيقَةَ في الإِخاءِ

البيتان لأبي العلاء المعرّي، حيثُ يرى أنَّ المودّةَ الحقيقيّةَ، وصِدْقَ المعاملةِ، إنّما يظهران في كلّ الأحوال، وليس في ضَنكِ العَيْشِ يتذكّر الإنسانُ إخوتَهُ وخِلّانه وأهلَه فقط، بلْ يَنْبغي على المَرْء ألّا يُنسيهِ يُسرٌ، حالَهُ وأصْلهُ، وأهْله.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"