عادي
قطع 493 مليون كيلومتر

«مسبار الأمل».. عام على وصول الإمارات للمريخ

23:40 مساء
قراءة 7 دقائق

دبي: يمامة بدوان

عام على وصول دولة الإمارات إلى المريخ، متوجة بذلك نجاحاً جديداً يضاف إلى سجل إنجازاتها اللامتناهية؛ حيث سجلت اسمها بحروف من نور في قائمة الدول الكبرى والمحدودة، التي استطاعت الوصول إلى الفضاء العميق، لتكون الإمارات الأولى عربياً والخامسة دولياً تحقق هذا الإنجاز.

وشكل التاسع من فبراير شباط 2021، وتحديداً في تمام 7:42 مساء، لحظات حاسمة، توجت الخمسين عاماً الأولى، منذ تأسيسها عام 1971، بحدث تاريخي وعلمي غير مسبوق في المهمات المريخية السابقة، حين نجح مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل» في الدخول إلى مدار الالتقاط حول المريخ، بهدف تقديم بيانات علمية لم يتوصل إليها الإنسان من قبل عن الكوكب الأحمر.

إن اللحظات الحاسمة لمرحلة الدخول إلى مدار الالتقاط حول الكوكب الأحمر، بدأت عند الساعة 7:30 مساء بتوقيت دولة الإمارات، مع بدء المسبار ذاتياً، وفقاً لعمليات البرمجة التي كان فريق العمل قد أجراها مسبقاً قبل إطلاقه، تشغيل محركاته الستة للدفع العكسي «دلتا في» لإبطاء سرعته من 121 ألف كيلومتر في الساعة إلى 18 ألفاً، مستخدماً نصف ما يحمله من وقود، في عملية استغرقت 27 دقيقة، وانتهت عملية حرق الوقود عند الساعة 7:57 مساء، ليدخل المسبار بأمان إلى مدار الالتقاط.

وعند الساعة 8:08 مساء تلقت المحطة الأرضية في الخوانيج، إشارة من المسبار بنجاح مرحلة الدخول إلى مدار المريخ، لتكتب دولة الإمارات اسمها بحروف ناصعة في تاريخ المهمات الفضائية لاستكشاف الكوكب الأحمر، وتعلن القيادة الرشيدة بأن «المهمة تمت» بعد 204 أيام على إطلاق المسبار إلى المريخ، قاطعا مسافة 493 مليون كيلومتر.

1

أول صورة

ووفقاً للخطط المسبقة، أعلن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ عن نجاح مسبار الأمل في التقاط أول صورة للمريخ من على ارتفاع نحو 25 ألف كيلومتر فوق سطح الكوكب الأحمر في اليوم التالي من وصوله لمدار المريخ.

وتتمثل الصورة الأولى، التي التقطتها كاميرا الاستكشاف الرقمية، لبركان «أوليمبوس مؤنس»، الذي يعد أكبر بركان على كوكب المريخ وأكبر بركان في المجموعة الشمسية، أما الصورة الثانية التي التقطها مطياف الأشعة فوق البنفسجية من على ارتفاع 36 ألف كيلومتر؛ إذ يمثل كل لون الضوء المجمّع عند طول موجي فوق بنفسجي مختلف، ويوفر معلومات فريدة حول الغلاف الجوي العلوي للمريخ من حافة الفضاء ومدى تواجد ذرات الهيدروجين والأكسجين وأول أكسيد الكربون، بينما تعد الصورة الثالثة، التي التقطها المسبار، صوراً حرارية التقطها مطياف الأشعة تحت الحمراء؛ حيث يظهر الجانب الليلي للمريخ، ويمكن من خلالها ملاحظة تضاريس «أرض العرب» على كوكب المريخ.

ليس ذلك فحسب؛ بل سبق ذلك التقاط كاميرا تتبع النجوم التي تستخدم للملاحة ضمن أجهزة الملاحة الفضائية للمسبار في 22 يوليو 2020، أي بعد يومين من إطلاقه، أول صورة لوجهته نحو الكوكب الأحمر، بعد ابتعاده عن كوكب الأرض بمليون كيلومتر في عمق الفضاء، فيما تبعتها في أغسطس 2020 صورة أخرى التقطها المسبار؛ حيث تجاوز حينها 100 مليون كيلومتر من رحلته، وظهر في الصورة المريخ من الأمام، فيما كوكبا زحل والمشتري، كانا في الخلف.

بدء المهمة

وفي 22 مارس/آذار 2021، نجح «مسبار الأمل» في دخول المدار العلمي للكوكب الأحمر، بعد نجاح فريق العمل بمشروع الإمارات لاستكشاف المريخ من فحص أنظمة المسبار، واستكمال 120 فحصاً لأنظمته قبل بدء عمليات الانتقال إلى المدار العلمي، كما التقط الفريق 825 صورة لإجراء عمليات المعايرة للأجهزة العلمية التي يحملها المسبار على متنه، للتأكد من كونها تعمل بكفاءة.

وفي 23 مايو/أيار 2021، باشر مسبار الأمل مهمة جمع البيانات العلمية عن كوكب المريخ، والتي تمتد حتى إبريل/نيسان من العام المقبل 2023، بينما بدأ في توفير الحزمة الأولية من البيانات مجاناً في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2021، لتشجيع الباحثين من حول العالم على استخدامها للتعرف إلى أسرار الكوكب الأحمر، على أن يتم إطلاق حزمة بشكل دوري كل 3 أشهر.

إجراءات التحليل

وفور وصول البيانات لمركز البيانات العلمية في مركز محمد بن راشد للفضاء، تخضع بشكل تلقائي لإجراءات التحليل؛ حيث طور الفريق العلمي برمجيات تقوم بمعالجة هذه البيانات، والتي تصبح فيما بعد حزمة أولية للمهمة.

ولكل صورة يلتقطها المسبار طريقة تعامل مختلفة، وذلك بحسب الجهاز الذي التقطها، فعلى سبيل المثال فإن كاميرا الاستكشاف الرقمية لها برمجيات تختلف عن المقياس الطيفي للأشعة ما فوق البنفسجية، الذي يتم من خلاله استخراج البيانات من الأطياف، عبر فريق متخصص للتعامل مع البيانات ونوعيتها.

ويتكون الفريق العلمي للمشروع من 37 شخصاً، ويشمل باحثين من مركز محمد بن راشد للفضاء ووكالة الإمارات للفضاء، إلى جانب متخصصين دوليين في علوم الغلاف الجوي للمريخ من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.

ويلتقط المقياس الطيفي بالأشعة تحت الحمراء في كل دورة حول المريخ 20 ملاحظة علمية، الواحدة منها تشمل أطيافاً علمية عديدة، أما كاميرا الاستكشاف الرقمية فإنها تلتقط 40 صورة على الأقل خلال الدورة الواحدة، فيما يقوم المقياس الطيفي بالأشعة فوق البنفسجية بالتقاط 12 نوعاً من الملاحظات العلمية على الأقل، كل ملاحظة عبارة عن قياسات للغلاف الجوي للمريخ ومن ارتفاعات مختلفة وأوقات مختلفة أيضاً.

مع بدء مهمته العلمية، أسهم مسبار الأمل في توفير صورة شاملة للمريخ وغلافه الجوي بمعدل مرة واحدة كل 10 أيام، خاصة أن أقرب مسافة للالتقاط بين المسبار والمريخ تصل إلى 20 ألف كم وأبعد مسافة تبلغ 43 ألف كم؛ حيث يجري الاتصال مع المسبار مرتين بالأسبوع الواحد، بمعدل 8 ساعات لكل مرة.

11

أصل الحكاية

يعد مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ واحداً من أكبر التحديات وأكثر المبادرات جرأة وإبداعاً في سعي الإنسانية لسبر أغوار الفضاء، هذا المشروع الاستثنائي بدأ كفكرة، من خلال خلوة وزارية استثنائية دعا إليها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، في صير بني ياس في أواخر عام 2013؛ حيث قاد سموه عصفاً ذهنياً مع أعضاء المجلس استعرض فيه جملة أفكار استعداداً للاحتفال باليوبيل الذهبي لقيام الاتحاد في عام 2021، وقد تبنت الخلوة يومها فكرة إرسال مهمة لاستكشاف المريخ، كمشروع جريء وطموح يسجل بصمة استثنائية في تاريخ الحضارة الإنسانية، وعلى الإثر، أصدر صاحب السموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في عام 2014 مرسوماً بتأسيس وكالة الإمارات للفضاء لبدء العمل على المشروع وليشكل هذا الإعلان التاريخي منعطفاً تنموياً وعلمياً في مسيرة الإمارات.

ومنذ اليوم الأول للمشروع، كان التوجيه بأن يتم تصنيع المسبار وعدم شرائه «جاهزاً»، ليتحول التحدي إلى فرصة لإلهام جيل من العلماء وإحداث نقلة نوعية والمساهمة في بناء العقول وإرساء الأسس لاقتصاد مبني على المعرفة عبر دخول الدولة قطاع تكنولوجيا الفضاء، وجعله رافعة أساسية في اقتصادها الوطني، بموازاة العمل على بناء رأسمال إماراتي بشري في مجال علوم الفضاء، وتخصيص الموارد اللازمة للاستثمار في هذا المجال، كما أن القطعة الأخيرة التي تم تركيبها في المسبار، والتي تشكل الجزء الخارجي منه، تحمل عبارة «قوة الأمل تختصر المسافة بين الأرض والسماء»؛ حيث تحقق هذا «الأمل» في يوم الوصول التاريخي.

تحديات مستجدة

وشكل نقل المسبار إلى محطة الإطلاق في اليابان، بالتزامن مع تفشي جائحة «كورونا» عالمياً، تحدياً آخر؛ حيث شهدت مطارات العالم وموانئه إغلاقاً تاماً، ووضعت قيود صارمة على التنقل بين الدول ضمن الإجراءات الاحترازية لمكافحة تفشي الفيروس، وكان على فريق العمل أن يضع خططاً بديلة لنقل المسبار في الموعد في ضوء هذا التحدي المستجد.

تغيرات جوية

وكان للتغيرات الجوية التي عصفت بجزيرة تانيغاشيما في اليابان، تم تأجيل إطلاق المسبار 3 مرات متتالية، وذلك بسبب عدم استقرار الأوضاع الجوية في الجزيرة؛ حيث توجد منصة الإطلاق، مع تشكل سحب ركامية كثيفة، وطبقة هوائية متجمدة، جراء عبور جبهة هوائية باردة، بالتزامن مع الوقت الأصلي المقرر لإطلاق المسبار.

ولأن الحلم كان لا بد أن يتحقق، جاء الموعد للإطلاق في 20 يوليو 2020 على الصاروخ إتش 2 إيه، في تمام الساعة 1:58 بعد منتصف الليل بتوقيت الإمارات، ليتردد العد التنازلي باللغة العربية لأول مرة في تاريخ المهام الفضائية لاستكشاف الفضاء.

إيجاد إجابات

ويهدف مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ بشكل أساسي إلى رسم صورة واضحة وشاملة حول مناخ كوكب المريخ، ويعمل فريق العمل إلى التعاون والتنسيق مع المجتمع العلمي العالمي المهتم بكوكب المريخ، لمحاولة إيجاد إجابات عن الأسئلة التي لم تتطرق إليها أي من مهمات الفضاء السابقة.

قوة الإرادة

شكلت قوة الإرادة والتصميم من مهندسي المسبار الذين اختصروا زمن تصنيعه وتركيبه وإطلاقه في 7 فقط من أصل 10 سنوات مدة متعارفاً عليها عالمياً، وبنصف الكلفة، لإطلاقه في يوليو الماضي وفق الجدول، وهو ما يُضاف إلى سجل الدولة وكفاءاتها الشابة، التي بذلت كل جهد لإعلاء كلمة الإمارات، ودخولها المشرف إلى محفل صناعة الفضاء، واكتشاف الكواكب بوصفها أول دولة عربياً والتاسعة عالمياً.

منصة متخصصة

عبر «منصة الإمارات للبيانات العلمية» سيعمل مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ على توفير أكثر من 1000 غيغابايت من البيانات الجديدة عن الكوكب الأحمر؛ حيث تمكن خلاله من جمع حوالي 110 غيغابايت من خلال أكثر من 5700 ملف علمي، تم التقاطه ومعالجته من قبل الفريق العلمي للمشروع من الفترة من 9 فبراير/شباط وحتى 22 مايو/أيار 2021.

وفور استقبال البيانات من المحطة الأرضية في مركز محمد بن راشد للفضاء بالخوانيج، يقوم الفريق المتخصص بإدارتها ومعالجتها وتوثيقها.

أجهزة متقدمة

يحمل مسبار الأمل 3 أجهزة علمية متقدمة لدراسة مناخ كوكب المريخ، أولها: كاميرا الاستكشاف الرقمية EXI وهي كاميرا رقمية لالتقاط صور ملونة عالية الدقة لكوكب المريخ، وتستخدم أيضاً لقياس الجليد والأوزون في الطبقة السفلى للغلاف الجوي.

أما الثاني فهو، المقياس الطيفي بالأشعة تحت الحمراء EMIRS الذي يقيس درجات الحرارة وتوزيع الغبار وبخار الماء والغيوم الجليدية.

والجهاز الثالث هو المقياس الطيفي بالأشعة ما فوق البنفسجية EMUS ويقيس الأكسجين وأول أوكسيد الكربون في الطبقة الحرارية للمريخ.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"