عادي

هجاء القرن العشرين

18:22 مساء
قراءة 3 دقائق
1

تحت عنوان «طابور الموتى» يكتب التشيكي باتريك أورشادنيك قائلاً عن فظائع الحرب العالمية الأولى في كتابه «أوروبيانا»: «كان طابور الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في الحرب 2681 كيلومتراً، وطابور الجنود الإنجليز 1547 كيلومتراً، والألمان 3010، وكان إجمالي طابور الموتى في أنحاء العالم 15508 كم».

الكتاب الذي يفتتح بالحديث عن آمال البشر في نهايات القرن التاسع عشر، بقرن مقبل جديد مفعم بالأمل بالنسبة للبشرية، وهو الأمر الذي كان يبشر به التقدم العلمي المتسارع، لم يلبث أن يتحول إلى هجاء قاسي اللهجة للقرن الماضي، هجاء ينطلق من التوصيف المعروف للقرن العشرين «قرن العنف»، بل يتجاوزه في لهجة تذكر القارئ بكتاب كولن ولسن الشهير «التاريخ الإجرامي للجنس البشري». فالقرن الماضي شهد 60 إبادة جماعية وهو ما لم يحدث في أي قرن آخر.

«أوروبيانا» عمل مكتوب بنفس قصير متألم، وكأن المؤلف يسعى إلى الانتهاء مما يود قوله بسرعة، وبحس أديب، جلس في ليلة واحدة وانتهى من كتابه الذي يبلغ 130 صفحة من القطع الصغير، ولا يتضمن أي تعليق من صاحبه في النص، هي مجرد معلومات متراصة ومتواصلة من دون انقطاع، يصنفها أو يبوبها أورشادنيك من خلال عناوين فرعية في هوامش الصفحات الجانبية، نحن أمام كاتب يركض، ويجعلنا نركض معه، يتورط أحياناً في ذكر أحداث عادية في القرن العشرين مثل رصده للمذاهب الفنية أو الفلسفية الكبرى أو الكتب اللافتة أو الاختراعات المؤثرة، ولكنه لا يلبث أن يعود إلى موضوعات شديدة الدلالة على تطور الإنسان القيمي والأخلاقي والروحي، موضوعات تتعلق بالعنف أو المجاعات أو التفرقة العنصرية.

في عام 1900 عرض الفرنسيون في معرض باريس العالمي عينات من البشر في مستوطناتهم، عينات للفرجة، لقياس صحة نظرية التطور ولاختبار مقولات علم الأنثربولوجيا الصاعدة آنذاك. بشر يتفرجون على بشر «آخرين» يجلسون في أقفاص زجاجية أو أجنحة مصممة لمضاهاة بيئة هؤلاء «المتوحشين» الأصلية وفق ما صاغه «علماء علم الإنسان»، وفي عام 2000 ألغى الأمريكيون في ولاية ألاباما قانوناً يمنع زواج البيض بالزنوج. وحتى سبعينيات القرن كانت الكثير من الحمامات العامة الأمريكية محظورة على السود، وهناك حمامات كتب عليها «للزنوج فقط».

وتبلغ المرارة ذروتها عندما يشير أورشادنيك إلى قيام مجموعة من الجنود الأمريكيين العائدين من حرب فيتنام بجمع التبرعات لبناء نصب تذكارية ل4100 كلب أمريكي «لقيت حتفها في فيتنام دفاعاً عن الحرية والديمقراطية».

وبعد الحرب العالمية الأولى عاد مليونا أسير روسي إلى ديارهم، عبر وسائل نقل سيئة، وتوفي معظمهم من البرد أو من غرغرينا القدم، حيث كانوا ينامون يرتدون أحذيتهم برغم أقدامهم المصابة خوفاً من سرقتها أثناء الليل. ونستمر في الاتحاد السوفييتي والذي هجّر سيراً على الأقدام بين عامي 1928 و1948، 6 ملايين إنسان من التتار واللتوانيين والإستونيين، والأوكرانيين.. ليموت منهم 3%.

أما ألمانيا، فقد شهدت في أعقاب الحرب العالمية الأولى مشكلات تضخم غير مسبوقة، حيث بيع رغيف الخبز ب1800 مارك ألماني، أما ألمانيا النازية فصنعت معسكرات التعذيب فيها الصابون من دهون جثث أسرى الحرب، وكانوا يأخذون من الجثث الأسنان الذهبية، ويسلخون جلد بعضها، ويصنعون من تلك الجلود غطاء لمصابيح كبار الضباط والسياسيين.

أما نظريات العنصري جوبينو في القرن التاسع عشر حول التفاوت الطبيعي بين الأعراق البشرية وضرورة التخلص بأي طريقة من العناصر المجرمة في المجتمعات الغربية «الراقية والمتحضرة»، فقد طبقت من خلال قانون «الإخصاء»: «صدر أول قانون إخصاء للعناصر عديمة النفع والمنعزلة اجتماعياً في عام 1907 في الولايات المتحدة الأمريكية، سمح القانون بإخصاء عتاة المجرمين والمرضى النفسيين، وتم تعديل القانون في عام 1914 بناء على رأي علماء الأمراض العقلية ليشمل لصوص الدجاج من ذوي الأصول الزنجية والهندية...وصدر قانون في سويسرا والدنمارك عام 1929، وفي النرويج 1934، وفي فنلندا والسويد عام 1935،، وظل سارياً في السويد حتى عام 1975».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"