عادي

حاضنة شعبية للهوية

23:02 مساء
قراءة 7 دقائق

استطلاع: نجاة الفارس

يتحدث الجميع عن ضرورة حماية اللغة العربية الفصحى والارتقاء بها، ولكن ماذا عن المحكية لغة الحياة والحوار التي تتعرض لمخاطر؟ هناك بعض الشباب الذين يتحدثون بالأجنبية، والبعض الآخر يطعّمون أحاديثهم بمفردات أجنبية، وفي ظل هذه الظروف كيف نحمي المحكية؟ يؤكد عدد من الكتاب أننا بحاجة إلى أن تدعم المؤسسات الثقافية والتعليمية وأولياء الأمور، الشباب، وحثهم على الاعتزاز بلهجاتهم العربية، والسعي ليس لأن تكون اللغة العربية لغة المناهج، فقط، إنما أن يمارسها الشباب في مجال حياتهم اليومية ومقار أعمالهم، وأن يكبر الطفل ويسمع مفردات لغته المحكية المشتقة من العربية منذ طفولته من أسرته وأهله وأصدقائه ومدرسيه.

إن السبب الأساسي وراء خطر أعراض انقراض لغتنا المحكية يأتي من الداخل، أي من البيئة الداخلية التي يعيش فيها الفرد في المجتمع، وهي أسرته ومحيطه الصغير من أقارب ومعارف، وربما أصدقاء مقربين، ومن أهم وسائل الحفاظ على المحكية العمل على تأصيلها وربطها بمعاجمنا الفصيحة، تصنيفاً وتأليفاً، ثم الحث على استخدامها في الأعمال الدرامية المتعددة، خاصة المؤثرة جماهيرياً، والتغني الدائم بأهميتها وخصوصيتها كحاضنة شعبية للهوية الوطنية والتراثية والتاريخية.

تجاهل

القاصة والروائية فاطمة سلطان المزروعي، تقول: «يلاحظ الكثير في مجالس عدة، أن الأحاديث تتم بيننا باللغات الأجنبية، وأحياناً يتحدث البعض بمفردات مطعمة بالأجنبية، مثل هذه الملاحظة تجعلني أتساءل عن سبب تجاهل لغتنا الأم الحية، ولهجاتنا الثرية بالكلمات والمعاني، والتوجه للغة أخرى؟ لا أجد إلا أن هذه الممارسة نوع من الموضة، أو من «البرستيج»، والمعضلة الكبيرة أن هناك أولياء أمور يتحدثون مع أطفالهم بلغات أجنبية، ويمارسون معهم هذه العادات التي أجدها ضارة جداً في الأمور الحياتية، ولا يقتصر الأمر على مجال الدراسة والتعليم، ما يسبب لدى الطفل العديد من الصعوبات، خاصة عندما يكبر ويدخل الجامعة ويبدأ بالاختلاط ؛ فإنه حتماً سوف يكون هناك جيل متعود على الحديث بلغة أجنبية والكتابة بلغة غير لغته الأم؛ وهذا يتضح في العديد من المشاهدات اليومية، فهناك الكثير من الشباب الذين لا يستطيعون إكمال أي حديث يدور باللغة العربية، أو حتى بلهجته المحلية.. لست ضد أي لغة أو ثقافة، بل مرحبة، لقد أصبح اليوم الكثير من الشباب يكتبون في وسائل التواصل بالعامية، ويطعّمون حديثهم بمفردات غريبة ليست».

وتتابع: «إننا بحاجة من المؤسسات الثقافية والتعليمية وأولياء الأمور لدعم الشباب وحثهم على الاعتزاز بلهجاتهم، والسعي ليس لأن تكون اللغة العربية لغة المناهج فقط، إنما أن يمارس الشباب الحكي بلغتهم في مجال حياتهم اليومية ومقار أعمالهم، وأن يكبر الطفل ويسمع المفردات العربية والمحلية منذ طفولته من أسرته وأهله وأصدقائه ومدرسيه وقدوته ؛ أيضاً المناهج يجب أن تواكب ما يحدث من تطور، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، كما يجب تبسيط قواعد اللغة العربية بحيث تصبح من المواد السهلة والبسيطة التي تدخل قلوب أبنائنا قبل عقولهم، ويمكن جعل أجيالنا الصاعدة قادرة على استيعابها».

مخاطر عدة

الكاتبة إيمان الهاشمي، تقول: «إن اللغة العربية بشكل عام، وبنوعيها الفصحى والمحكية المعروفة باسم اللغة العامية، باتت معرضة للعديد من المخاطر في عالم يتحدث فيه البشر أكثر من 100 لغة حول الكرة الأرضية، وبما أننا نعيش في الوطن العربي فإن اللغة الأولى هي العربية، ولكن تأتي المعضلة في ظل تطعيم الألفاظ والمصطلحات العربية بمفردات أجنبية، سواء كانت انجليزية أو فرنسية، أو مؤخراً يابانية، خاصة مع أبناء الجيل الجديد الذي تأثر كثيراً بمسلسلات الأنمي اليابانية الشهيرة غير المعرّبة، ومع ذلك أرى أن السبب الأساسي وراء خطر أعراض انقراض لغتنا الأم يأتي من الداخل، أي من البيئة الداخلية التي يعيش فيها الفرد في المجتمع وهي أسرته ومحيطه الصغير من أقارب ومعارف وربما أصدقاء مقربين، حيث يتأثر الفرد بمحيط أسرته، أولاً اتباعاً لتوجيهات الوالدين اللذين يشجعان أطفالهما على الحوار بلغة يختارانها بعناية فائقة، إضافة إلى إدخال أبنائهم في مدارس عالمية تهتم بتدريس لغات أجنبية مع إهمال اللغة الأم، فضلاً عن الأقارب أو المعارف والأصدقاء الذين يتمتعون بإتقان لغة أجنبية ويقومون بممارستها بشكل دوري، وربما دائم لئلا تندثر، متناسين لغتهم الحقيقية الأصلية، وصدقاً أنا لا أرى أي ضير في تعلم لغات أخرى من دون المساس بقدسية لغتنا العربية لغة القرآن الكريم، ولذلك يجب زرع حب لغتنا الأصيلة منذ نعومة أظفار أبنائنا، مع التركيز على توجيههم دائماً بألا يمزجوا بين اللغات فيما بينهم، خاصة مع اللغة العربية، لأن ذلك يشوه صورة اللغتين معاً، ويعكر صفو الحديث مع الآخرين، كما يعمل على خلق لغة جديدة ليس لها وجود فعلي، ولا حتى ضروري بين البشر، ما سيؤدي إلى انقطاع التواصل الفعّال وكثرة سوء الفهم أثناء الحديث مع الآخرين وبالتالي تشويه الحوار من الأساس».

توافقات

الشاعر الدكتور محمد فياض، يقول: «لكل بلد لغة محكيّة، توافق الفصيح أو تخالفه، وعند التحقيق تراها في الموافقة أكثر، يدرك ذلك المتبحر في اللغة، الغوّاص في جذورها، العالِم بقواعدها، والحفاظ على المحكية يكون بتتبع ما يتناوشه الناس فيها، وردّه إلى الفصيح؛ وبذلك يكون قد سقى العوام جرعة من طمأنينة أن هذا الذي تتحدثون به له أصل في الفصحى، ومن خلال ممارستي في هذا الشأن؛ فقد رأيت أن أكثر محكي العرب اليوم له أصل فصيح صحيح، لكن هذا الأمر يشكل على غير المختص؛ فتراه متعجلاً في ردّة فعله في تخطئة المُصَوِّب لهذا المحكيّ، ومن أمثلة المحكيّ الذي له أصل فصيح، في المحكيّ يقولون: (كرمالك) وأصلها: كرامة لك، والمتتبع يرى كثيراً من المحكيّ فصيحاً أو قريباً منه، والمقترَح في مثل هذا أن يكون لذلك الشأن نصيب من كلام المأخوذ عنهم من أدباء وشعراء، وغيرهم، سواء كان مستقلاً، أو بكثرة الإشارة إليه؛ إن كان في المكتوب أو المقروء في كتاب أو محاضرة ونحو ذلك».

الشاعرة غالية حافظ، تقول: «اللغة وطن ومسؤولية حمايتها واجب يقع على الجميع، نحن نشهد في الوقت الحالي حرية في التعبير إلى حد كبير ولا يخفى على أحد أن تعدد الجنسيات والاختلاط بلهجات متعددة جعل الناس يميلون لاستخدام لغات أجنبية ظناً منهم أنها أسهل بإيصال أفكارهم، لكن هذا ليس بعذر كي نبتعد عن لغتنا المحكية الأم، فضلاً عن اهتمام المنهاج الدراسي باللغة الأجنبية على حساب اللغة العربية، ولا ننكر أهمية تعلم اللغات الذي ساهم في الانتشار وزيادة الوعي لدى الأشخاص لكن تأثيره سلبي وإيجابي معاً، فنجد أن أكثر جيل الشباب يستخدمون في لغتهم المحكية كلمات أجنبية، ما ولّد ثقافة جديدة مختلطة بلا هوية عبارة عن خليط من كل حدب وصوب، فكم من بلدان زرناها ووجدناهم يحافظون على لغتهم الأصلية بل وفخورين بها من دون التركيز على اللغة الأجنبية».

وترى أن على المؤسسات والجهات الحكومية فرض قوانين لإتقان اللغة العربية، ومن واجب الأهالي أن يفرضوا على أبنائهم عدم التحدث بلغات أخرى داخل المنزل، بذلك نحدّ من اندثار اللغة العربية (المحكية) والحفاظ على هويتنا العربية ولغتنا التي نفتخر.

تقليد أعمى

يقول القاص أحمد عبدالقادر الرفاعي: «إذا ذهبنا في رحلة استقصائية هدفها تحديد تغريب مفردات اللهجات المحلية واستبدالها باللفظ الأجنبي لوجدنا أن الأسباب لا تتمحور بالمنهاج التعليمي، وإنما تنفتح على محاور عدة، أهمها استخدام تلك الألفاظ الأجنبية في معظم وسائل الإعلام والتواصل، وفي بعض أو أكثر الأعمال الدرامية، وقد وصلت أيضاً إلى بعض القصص والروايات والمسرحيات التي تكتب باللغة العربية الفصيحة، أو باللهجات المحلية، وبفعل التأثير الطبيعي لمشاهير الفن والأدب والإعلام نجد الأجيال استساغت هذه الألفاظ وأصبحت ترددها كرد فعل طبيعي للتأثر بالنماذج الاجتماعية القادرة على التأثير بطبيعة الحال، فكم من كلمة أجنبية أطلقت في عمل درامي أو كوميدي على سبيل المثال - وتحولت إلى وحدة صوتية فاخرة للتميز في نظر البعض ثم أصبح تقليدها شيئاً اعتيادياً واشتق منها أكثر من كلمة وتحولت إلى حقل معجمي سمعي يقلد من دون دراية مخاطره ومع التراكمية أصبحت لهجتنا المحكية في خطر الاضمحلال، ومن أهم وسائل الحفاظ عليها، العمل على تأصيلها وربطها بمعاجمنا الفصيحة، تصنيفاً وتأليفاً، والحث على استخدامها على المنابر الإعلامية المتنوعة والأعمال الدرامية المتعددة، خاصة المؤثرة جماهيرياً، والعمل على إحيائها بنائياً ودلالياً وتمكين استعمال دلالاتها الرمزية والصوتية والجمالية والتغني الدائم بأهميتها وخصوصيتها كحاضنة شعبية للهوية الوطنية والتراثية والتاريخية».

اعتزاز

الروائية فاطمة المزروعي تقول: «إننا نعتز بلغتنا ولهجاتنا تماماً كما نلمس اعتزاز الفرنسي بفرنسيته في باريس، أو الإسباني بإسبانيته في مدريد، والروسي بروسيته في موسكو، والصيني بصينيته في بكين، والياباني بيابانيته في طوكيو، وغيرهم الكثير من القوميات التي لها لغاتها والتي تحافظ عليها وتمنحها الأولوية في جميع التعاملات»

تمكين

القاص والشاعر أحمد عبدالقادر الرفاعي، يقول: «اللهجات المحلية والمحكية لكل بلد من البلاد جزء لا يتجزأ من تراثه الحي، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، ورمز أساسي من رموز هويته الوطنية التي يتمسك بها أبناؤه والتي تعزز حاضره ومستقبله، وحاضنة آمنة للكثير من الفنون التي نشأت وترعرعت في رحابه على مر الأجيال، فهي تحفظ الشعر النبطي بتاريخه الطويل، وفن الدراما، وفن المسرح المكتوب بها، والأمثال الشعبية التي تعتبر مصدراً مهماً من مصادر الدراسات الاجتماعية والتاريخية والإنسانية لكل شعب من الشعوب، ولكل نظام لغوي محلي عناصر تنمية جعلته سائداً في كل مجتمع من المجتمعات، وفي سبيل تمكين المحكية لمسنا مجموعة من السبل والطرائق التي من الممكن أن تحافظ على هذا الإرث الحضاري لكل مجتمع من المجتمعات، ولعل الأغلب يذهب إلى بعض الأنظمة التعليمية المعتمدة على المناهج الأجنبية في التعليم، وبوجهة نظر شخصية أستبعد هذا السبب من إطار المسببات الرئيسية لاضمحلال بعض اللهجات المحلية، فالحفاظ على البنية اللغوية في أي مكان يعتمد على نظام اجتماعي شامل، يبدأ بالإحساس بقدسية اللفظ واستساغته أثناء استخدامه، والمسؤولية الجماعية تجاهه».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"