سريالية المعتدين

00:21 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

منذ انقلاب الحوثيين على الشرعية في اليمن، ومحاولتهم المستميتة للاستئثار بإدارة البلاد بشطريها، استناداً إلى عقيدة لا تختلف عن عقيدة تنظيم الإخوان المسلمين السياسية، ومنذ أن عُرفت الجهات الداعمة لهم، توقّع كثيرون تأثير حركتهم الظلامية على أمن المنطقة برمتها، بمعنى أنهم سيهدّدون الأمن وما يفرزه من تنمية وازدهار وتطوّر بشري، إضافة إلى تهديدهم الملاحة البحرية، خدمة لأغراض داعميهم.

 وقد استشرفت دول التحالف هذا الأمر وتنبّهت إلى أن ثمة نوايا لحصار المنطقة، خاصة دول الخليج، للتحكم بالحركة التجارية العالمية، لتكون ورقة ضغط للاعبين الرئيسيين، فاتخذت قراراً لمواجهة التهديدات، وقامت بإجراءات استباقية للمحافظة على الأمن وحرية الملاحة.

 وحين فشلت الميليشيات في لعب دور الشرطي في الممرات الدولية، لجأت إلى تهديدات أخرى، من خلال تهديد الناس الآمنين في بيوتهم وفي سفرهم ورحلاتهم، لكن هذا أيضاً سيفشل لأسباب جيوسياسية وإستراتيجية ولوجستية، ولأن الحوثيين كورقة يلعب بها الآخرون، لن تدون طويلاً، لأن صلاحيتها ستنتهي عند أول ترتيبات إقليمية بين الدول ذات السيادة.

 إن الهجوم على المنشآت المدنية، إذا كانت محطات لتكرير البترول، أو صهاريج تحمل الوقود، أو مطارات أو مراكز اقتصادية، هو عمل يرفضه القانون الدولي، وسرعان ما سيتحرك العالم أجمع لمواجهة هذا العبث العسكري والجنون السياسي والمغامرات الطفولية، وسيجد الحوثيون ومن وراءهم أنفسهم في مواجهة مع العالم. وإلى ذلك الحين، فإن دول المنطقة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ستواصل الدفاع عن نفسها بكل الوسائل، لردع الاعتداءات، بالقوة اللازمة فيما هي حريصة على عدم الإضرار بالمدنيين، الذين يستخدمهم الحوثي دروعاً بشرية.

 إن تهديد الإرهابيين بضرب الاقتصاد ووسائل النقل البري والجوي والبحري، هو لغة العاجز، الذي يلعب بآخر أوراقه ويطرحها في المعركة، إذ يعتقد المعتدي أن طائرة مسيرة هنا وصاروخاً هناك، سيوقف التنمية، ويجعل رؤوس الأموال تهرب إلى الخارج، وربما يرسمون صورة سريالية في خيالهم، ويتمنون رؤية الناس تهجر الإمارات أو السعودية، وهذا خطأ شنيع في الحسابات السياسية. 

 وسنتحدث عن الإمارات العربية المتحدة، التي وصلت إلى عامها الخمسين من الوحدة، بقوة وإيمان كبيرين، ووضعت خططاً وبرامج ضخمة للوصول إلى مجتمع المعرفة، بمعنى أن التركيز خلال الخمسين سنة الماضية كان على الإنسان؛ تعليمه وتنمية مهاراته، وتدريبه وتهيئته ليكون أساس التنمية، تأكيداً لرؤية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة طيّب الله ثراه، ولهؤلاء نقول إن الإنسان المتعلّم المثقف المنتمي والموالي والعاشق لوطنه، هو اقتصاد الدولة، وهو معيار الازدهار والتنمية، وتربيته المبنية على التسامح واحترام الآخر والنابذ للعنصرية والتفرقة، هي التي تجذب الناس للعمل والعيش، وقدرته على العطاء والتفاني في العمل والابتكار والإبداع، هو مستقبل الدولة، وكل ما عداه تحصيل حاصل لجهده ومثابرته، وهنا لا أتحدث عن المواطن فقط، إنما أشمل المقيم العربي وغير العربي، الذي يمتلك انتماءً حقيقياً لأرض الإمارات وقيادتها، وتربطه أواصر المحبة والاحترام بشعبها، هذا المجموع هو عماد التنمية وركيزة التقدم والتطور، ولا ترهبه تهديدات خرقاء واستهدافات جبانة.

 صحيح أن الإمارات العربية المتحدة تؤمن بالسلام والتعايش والحوار في حل الخلافات، إلا أنها تؤمن في الوقت نفسه بقوتها الدفاعية وعلاقاتها الإستراتيجية، وثقتها بمخزونها البشري، وهذه المعادلة لا يمكن التأثير عليها، لإيمانها الراسخ بحق الدفاع عن الوطن، الذي هو واجب مقدس على الجميع.

 إن العدوان بكل أشكاله لن يحقّق أهداف المعتدين، الذين يجب عليهم في المقام الأول أن يتصالحوا مع أنفسهم ومع شعبهم، وأن يعيدوا الشرعية إلى الشعب، بحيث يشترك بكل أطيافه في اختيار ممثليه وقادته، فأزمة الحوثيين داخلية، فإن حلّوهاً حُلّت جميع مشاكلهم الداخلية ومع الجوار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"