سوريا والحاجة إلى مقاربة جريئة

00:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

حسام ميرو

كل المسارات السياسية التي خاضها السوريون، منذ بيان جنيف 1 في 30 يونيو/ حزيران 2012 وحتى الآن، مروراً بمحادثات جنيف وأستانة واللجنة الدستورية، أظهرت عقماً واضحاً في الوصول إلى تسوية سياسية، تضع حدّاً للكارثة السورية، فقد تبنّت أطراف الصراع «الحل الصفري»، الذي يقتضي الربح، ولا شيء آخر غيره، وتقزيم كل طرف للآخر، بوصفه فقط سلطة أو معارضة، من دون وعي الديناميات المجتمعية المختلفة، في سياقها التاريخي، أو من دون إعطاء المتغيّرات الإقليمية والدولية الوزن الذي تستحقه، فالمعادلات الجيوسياسية المحيطة بسوريا تغيّرت كثيراً في العقد الماضي.

 يعلم السوريون جميعاً أن بلادهم اليوم مستباحة السيادة من عدد من الدول، وأن القرار السوري في مختلف مستوياته لم يعد مستقلاً، وأن جغرافيا البلاد مقسّمة بين سلطات أمر واقع، تعيش هي ومن تحكمهم في أزمات متعددة وخانقة، إذ يكفي النظر إلى الواقع المعيشي العام، وما يطرحه من إحصاءات مرعبة، لمعرفة أين وصلت حياة السوريين، فأكثر من 90% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، مع افتقادهم لمقومات الحياة الأساسية من خدمات، من مثل الكهرباء والدواء والمحروقات وحتى الخبز، بينما لجأ ملايين السوريين نحو دول الجوار أو أوروبا وأمريكا وغيرها.

 هذا الواقع المرعب لم يعد أزمة سورية محضة، فبعض أزمات هذا الواقع تحوّلت إلى أزمات إقليمية ودولية، وخصوصاً أزمة اللجوء، ومع ذلك، فإن النظام والمعارضة لم يقدّما أي تنازلات جوهرية للوصول إلى تسوية سياسية، مع تأكيدهما اللفظي المستمر على أن «لا حل في سوريا إلا الحلّ السياسي»، لكن ما جرى فعلياً منذ سنوات وإلى اليوم هو المزيد من المضي نحو الحلّ العسكري، إلى أن أصبح التقسيم واقعاً، مدعوماً بخطوط التماس بين القوى المتحاربة، والتي تكمن خطورتها في أنها تسهم في زيادة الانقسام المجتمعي بين السوريين، وتجعل منهم «سوريي النظام» و«سوريي المعارضة»، ما ينزع عنهم الصفة الوطنية العامة التي تجمعهم، بينما يعيش معظم السوريون الظروف الإنسانية والمعيشية ذاتها، مع اختلاف في بعض التفاصيل الجزئية.

 لا تجرؤ أطراف الصراع السوري على القيام بمراجعة نقدية لمجمل الظروف الداخلية والخارجية التي أوصلت البلاد إلى حالة الاستعصاء الراهنة، والمرشّحة للاستمرار لسنوات أخرى، ومزيد من الكوارث، فمثل هكذا مراجعة من شأنها أن تضع كل طرف أمام مسؤوليته في إيصال البلاد إلى هذا الحال، ومن شأنها أن تكشف عن جملة الأوهام التي سادت في رؤيته السياسية، ومخاطر التحالفات الخارجية التي أقامها على حساب المصلحة الوطنية، لكنها في الوقت ذاته، من شأنها أن تبني مقاربة جديدة للحلّ السياسي، وللقضايا الخلافية التي طرحت للنقاش على مدار السنوات الماضية، وتمسّ بشكل رئيسي مستقبل الدولة السورية، وعلاقة الحاكم بالمحكوم، وعلاقات سوريا الخارجية، وغيرها من القضايا الإشكالية.

 الاعتراف بالهزيمة لدى الأطراف السورية المنخرطة بالصراع ضرورة قصوى، أي هزيمة المقاربة التي تأسّست عليها المواقف والوسائل، وهزيمة النتائج التي وصلت إليها البلاد، ومثل هكذا اعتراف، ليس مسألة سياسية محضة، أو مناورة، بل هو ضرورة وطنية، يمكن أن تفتح الباب أمام تبنّي حلول، من شأنها أن تسمح بإعادة بناء الدولة التي خسرت الكثير من مقوماتها، وأن تعيد صياغة هوية سورية على أسس جديدة، وبناء مؤسسات حديثة، واستعادة دورة الإنتاج، لكي يشعر السوريون أنهم خرجوا فعلياً من الحرب إلى السلام.

 السوريون بحاجة إلى جرأة كبيرة، جرأة للقول إن الصراع خرج عن سكّته الأساسية، وتحول في جزء كبير منه إلى حرب أهلية، قد لا تكون مكتملة المواصفات (قياساً للحروب الأهلية)، لكنها من حيث الوقائع أصبحت كذلك، من خلال التطييف، والمناطقية، والدعم الخارجي، وفي مثل هكذا حال، فإن من يستطيعون إنجاز حلّ سياسي هم سلطات الأمر الواقع، لكن أي حلّ منجز في إطارها سيكون غير قابل للاستدامة إذا لم يأخذ بالحسبان أن تجاوز مفرزات الحرب غير ممكن من دون تأسيس واقع مغاير، خصوصاً مع وجود تجربتين قائمتين في العراق ولبنان، حيث انتهت الديمقراطية التوافقية إلى أزمة، من حيث إضعاف الدولة، واستمرار السلاح خارج نطاق احتكارها.

 معظم القوى الإقليمية التي وقفت إلى جانب أطراف الصراع السوري، لم تكن مهتمّة ببقاء سوريا كبلد موحد، بقدر اهتمامها بزيادة وتوسيع مساحة نفوذها، وبالتالي فإن أي تفكير بحلّ سياسي مستدام ينبغي أن يستند إلى تقليص مساحة نفوذ الخارج على حساب زيادة المصلحة الوطنية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"