تحقيق: راندا جرجس
يعاني حوالي %80 من الأشخاص بعد بلوغ سن الأربعين آلاماً شديدة تمتد من نهاية العمود الفقري في أسفل الظهر إلى آخر الجانب الخلفي من الفخذ والساق، على طول العصب الوركي الرئيسي المغذي للطرف السفلي، وهو المسؤول عن الإحساس والحركة في الساق، ويمكن أن تتأثر أيضاً القدم والأصابع ويكون هذا الألم مصحوباً بأحد التغيرات مثل الشعور بالتنميل والوخز. ويزيد خطر الإصابة لدى أصحاب الأوزان المفرطة، والمدخنون، ومن يزيد طولهم على 185سم، والعاملون في الأعمال المرتبطة بالنشاط البدني الشاق، ورفع الأثقال، وفي السطور القادمة يسلط الخبراء والاختصاصيون الضوء على هذا الموضوع تفصيلاً.
يقول الدكتور تينكو خوسيه، استشاري جراحة الأعصاب: إن الإصابة بعرق النسا عادة ما تكون في جانب واحد يمتد بطول الجسم، حيث ينتشر الألم على طول مسار العصب الوركي، ويبدأ من أسفل الظهر، ويمر عبر الوركين والأرداف وأسفل كل ساق، وتتفاقم هذه الحالة عند السعال والعطس، ويمكن أن يصاب بعض المرضى بخدر وتنميل، وربما يصاحبه ضعف في القدم إذا حدث ضغط شديد في جذر العصب، وتستهدف هذه المشكلة المرضية الرجال في سن الأربعين وتكون شائعة لديهم أكثر من النساء بثلاث مرات، وتشمل عوامل الخطر السمنة والتدخين والوضعية الخاطئة عند الجلوس أو الوقوف والنشاط البدني الشاق كالرفع المتكرر للأشياء الثقيلة والانحناء.
فحوص واختبارات
يبين خوسيه أن تشخيص الإصابة بعرق النسا يتم من خلال الاطلاع على التاريخ المرضي للشخص المصاب، بما في ذلك الأنشطة الحديثة والمشكلات المزمنة إن وجدت، كما يجب إجراء فحص سريري دقيق وتقييم القوة والإحساس وردود الفعل للأطراف السفلية، والخضوع لاختبار رفع الساق المستقيم الذي يكون عن طريق استلقاء المريض على ظهره، ورفع كل ساق مع تمديد الركبة، وفي حال الشعور بأي ألم أسفل الساق فإنه يكون دلالة وإشارة على الإصابة بعرق النسا.
يضيف: يعد التصوير بالأشعة المقطعية والرنين المغناطيسي للعمود الفقري القطني المعيار الذهبي لاكتشاف سبب الإصابة، وهو الانزلاق الغضروفي أو تضيق القناة أو ضعف مفصل الوجه أو الأورام، ويمكن أن يحتاج بعض المصابين إلى إجراء دراسات التوصيل العصبي في حالات محددة.
مشكلة شائعة
يوضح الدكتور سامح أبو الفتوح، أخصائي جراحة العظام والعمود الفقري أن الإصابة بآلام أسفل الظهر المزمنة أصبحت مشكلة خطيرة للغاية في العصر الحديث، ويعانيها نسبة كبيرة من الأشخاص، كما يعتبر عرق النسا من المشكلات المزمنة وثاني أكثر الأسباب شيوعاً لزيارة الطبيب، حيث يحتاج المرضى في بعض الحالات إلى دخول المستشفى وطلب الرعاية الصحية والتدخل الجراحي، وتجدر الإشارة إلى أن آلام أسفل الظهر يمكن أن تصيب جميع الأشخاص من مختلف الأعراق والجنسيات.
فئة مستهدفة
يذكر أبو الفتوح أن أغلب الدراسات والأبحاث أكدت أن الإصابة بعرق النسا تحدث بنسبة متساوية بين الرجال والنساء وتنتشر على الأكثر بعد سن ال 45، ومع ذلك فإن هناك بعض العوامل التي ارتبطت بالإصابة بهذه المشكلة المزمنة، بما في ذلك داء السكري والتدخين والسمنة ونمط الحياة غير النشط، وقدر الخبراء في المجال الطبي أن ما يقرب من 80٪ من الأشخاص سيعانون آلاماً أسفل الظهر خلال حياتهم، ويبلغ معدل الانتشار السنوي لهذه الآلام من 15% إلى45٪.
أسباب الإصابة
يشير أبو الفتوح إلى أن عرق النسا هو ألم ينشأ على طول العصب الوركي، ويمتد من مؤخرة الحوض إلى أسفل الفخذ، ويعتبر السبب الأكثر شيوعاً لهذه الإصابة هو فتق أو انتفاخ القرص الذي يضغط على العصب الوركي في العمود الفقري، أما العوامل الأخرى فتتمثل في انضغاط العصب بسبب الورم أو تلفه نتيجة بعض الأمراض كداء السكري.
مضاعفات ومخاطر
يلفت د.سامح أبو الفتوح إلى أن الإصابة بعرق النسا تؤدي إلى الضغط على العصب في العمود الفقري، وبالتالي يتعرض المريض لمضاعفات شديدة تؤثر في نمط الحياة وممارسة الأنشطة اليومية مثل: زيادة الألم المفاجئ في أسفل الظهر، الضعف العضلي في الساق المصابة والإحساس بالخدر والتنميل وفقدان الشعور بها، عدم قيام الأمعاء أو المثانة بوظيفتهما، وتلف الأعصاب الدائم، وتجدر الإشارة إلى أن أعراض عرق النسا الخفيف عادة ما تختفي بمرور الوقت، ولكن إذا استمرت لأكثر من أسبوع أو إذا ازدادت علامات المرض سوءاً بشكل تدريجي، فيجب أن يطلب المريض الرعاية الطبية الفورية.
ويضيف: بعض أسباب الإصابة بعرق النسا تكون ناجمة عن فتق القرص الغضروفي ولا يمكن الوقاية منها، إلا أن إجراء بعض التعديلات في نمط الحياة يمكن أن تساعد في حماية الظهر، بما في ذلك التمارين الروتينية والحفاظ على وضعية الجلوس المناسبة والإقلاع عن التدخين والحفاظ على وزن صحي.
أسلوب حياة
يذكر الدكتور طارق أسلم استشاري أمراض الروماتيزم وآلام المفاصل إلى أن علاج عرق النساء يحتاج إلى بعض الإجراءات الطبية، التي تبدأ من توعية المريض، وشرح الأعراض والأسباب حيث إن هذه المشكلة المرضية يمكن أن تختلط مع أمراض أخرى، كما أن هناك بعض العادات الخاطئة التي يمكن أن يتبعها بعض المصابين، وتؤثر في فترة التعافي، وعلى سبيل المثال يجب أن يكون الشخص حيوياً ويواصل أداء الأنشطة اليومية والذهاب إلى العمل والحصول على بعض الراحة لبضع ساعات فقط، على عكس الرائج بضرورة المكوث في الفراش.
خيارات التداوي
يشير د.طارق أسلم إلى ضرورة تناول مسكنات الألم بشكل منتظم للسيطرة على الأعراض، كما تكون الكمادات الساخنة والباردة، وممارسة الرياضة كالمشي وتمارين الإطالة الخفيفة مفيدة لهذه الحالات، وتجدر الإشارة إلى أن العلاج الطبيعي فعال بشكل خاص في علاج مرضى عرق النسا المزمن، كما يعتبر العلاج بالحقن من الطرق الناجعة لهؤلاء المرضى الذين لا يستطيعون تطبيق الراحة المثلى والإجراءات التحفظية، وأيضًا في أولئك الذين تكون لديهم مخاطر الجراحة أعلى أو من يختارون طرق العلاج غير الجراحية، كما أظهرت الدراسات أن الحقن فوق الجافية يمكن أن تؤدي إلى تخفيف الآلام على المدى الطويل لمدة تصل إلى ستة أشهر.
العلاج الجراحي
يؤكد د.طارق أسلم أن بعض حالات عرق النساء تحتاج إلى التدخل الجراحي في العمود الفقري، وخاصة عندما يرافق الإصابة أعراض كفقدان الإحساس أو ضعف في الطرف المصاب، أو عند ظهور أي خلل في المثانة أو الأمعاء، كما يجب إحالة المرضى الذين يعانون آلاماً مستعصية، ولا تتحسن لديهم علامات المرض بالأدوية، ولا يتضاءل الألم بعد 6-8 أسابيع من العلاج المحافظ، ويتم التأكد من المشكلة عن طريق الأشعة السينية والتصوير بالرنين المغناطيسي وتحديد نوع العلاج المناسب وفقاً لنتائج الفحوص والاختبارات، ويشمل الإجراء الجراحي الأكثر شيوعاً لهؤلاء المرضى، استئصال الصفيحة الفقرية القطنية، وتوسيع الحبل الشوكي في أسفل الظهر لتقليل الضغط على الأعصاب، واستئصال القرص، وإزالة جزئية أو كاملة للقرص المنفتق.
الانزلاق الغضروفي
يعتبر انزلاق القرص الغضروفي السبب الأكثر شيوعاً للإصابة بعرق النسا، حيث إن الوسائد التي توجد بين الفقرات تتعرض للتهتك وتصبح أضعف كلما تقدم العمر، أو عندما يضغط شيء ما أو يحتك بالعصب الوركي، ما يؤدي إلى تهيج العصب، كما تؤدي بعض العادات الخاطئة في الحركة والجلوس والوقوف تضيق قناة العمود الفقري، وينجم عنها الضغط على جذور العصب الوركي.
