الفخ الأوكراني

00:12 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

ساد نوع من الاضطراب جراء تصريحات ومواقف الأطراف المصطرعة في أزمة أوكرانيا وهو ما يفسر ربما وجود هدف غير مرئي في هذه الأزمة المعقدة. وقد تلاحظ مثلاً تمسك الولايات المتحدة بفرضيتها القائمة على نوايا الغزو الروسي الوشيك بينما وقفت ألمانيا وفرنسا في منتصف الطريق، فيما خرجت موسكو باستنتاج جديد حول نوايا واشنطن وهدفها النهائي من أجواء التوتر السائدة.

 وجاء التعبير عن أحدث موقف أمريكي على لسان مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان الذي أكد الالتزام بنظرية الغزو، لكنه أضاف إليها جدولاً زمنياً يتراوح بين أيام قليلة أو أسابيع. ولا شك أن مثل هذا التوقيت اليقيني حول حتمية الغزو المفترض يضع الموقف الأمريكي أمام محك المصداقية. لذلك فقد سعى سوليفان إلى تعويم المسألة نوعاً ما زاعماً أن الغزو يمكن أن يكون جزئياً أو عبر هجمات إلكترونية، أو شاملاً لكل أراضي أوكرانيا.

 وقصد المسؤول الأمريكي أن يضفي على عباراته الأولى حول توقيت الغزو المفترض، نوعاً من الغموض يساعده في إعادة تفسيرها بطرق مختلفة. ومن بين التحولات الكبيرة في المواقف والاتجاهات يبرز موقف الحكومة الأوكرانية نفسها والتي تحولت بشكل مفاجئ من التحريض ودق طبول الحرب إلى التهدئة ونفي احتمالات نشوب الحرب في المنطقة.

 لكن الموقف الأشد غرابة جاء من موسكو بالذات. ففي تصريح لم يكن متوقعاً في سياق الموقف الروسي من الأزمة، اتهم الرئيس فلاديمير بوتين الولايات المتحدة باستخدام أوكرانيا وسيلة لجرجرة بلاده إلى «نزاع مسلح». هذه العبارة تعني بكل بساطة أن أوكرانيا عبارة عن فخ أمريكي لدفع الجيش الروسي وتشجيعه للاندفاع ثم التورط.

 تصريحات بوتين سبقتها إشارات مماثلة من سفير روسيا في الاتحاد الأوروبي فلاديمير تشيزوف الذي وصف «هستيريا» الغزو المحتمل بأنها خدعة يروج لها الغرب، وأن حلف «الناتو» هو المسؤول عن وصول الوضع إلى مرحلة الأزمة.

 وفي الواقع فإن الاستنتاجات الروسية الأخيرة مثيرة للاهتمام. فإذا كانت أوكرانيا حليفاً مهماً للغرب فإن الحشود العسكرية الروسية على حدودها يجب أن تواجه بحشود مماثلة لقوات الحلفاء. لكن ذلك لم يحدث أبداً. فقيادة الناتو تقول إنها لن تدخل الحرب إذا تعرضت هذه الدولة للغزو، وتتحدث الولايات المتحدة عن عقوبات مشددة. 

 والاستنتاج الوحيد الممكن أن الغرب يشجع روسيا على الغزو. وأن أوكرانيا لا تمثل أهمية كبرى للغرب وأنه يمكن استخدامها مصيدة وفخاً للقوات الروسية.

أما الدول الأوروبية التي تستقبل الإشارات المتناقضة، فهي لا تزال واقعة في تقاطعات الحيرة والقلق، بينما ينخرط قادتها في مغامرات غير محسوبة للاستثمار في مساراتها إما بغرض الهروب من مشكلات داخلية كما هو الحال مع رئيس الحكومة البريطانية جونسون. أو تحسين فرصه لكسب انتخابات قادمة مثل حال الرئيس الفرنسي ماكرون. وبين المحاولات الألمانية لحماية المصالح المهددة في قضية الغاز.

 ويبقى السؤال حول احتمالات اندلاع الحرب من أشد الأسئلة تعقيداً، بينما تراوح إجابته بين ترجيحات الطموح للسيطرة والحذر من الوقوع في الفخ.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"