«البير» وغطاه

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

صغار يرحلون ليكون في رحيلهم وجعٌ يحفر علامة لا تُمحى ولا تُنسى. يعلّمون الكبار درساً، يضيئون على «خطر» لم ينتبه إليه أحد، ويدفعون حياتهم ثمن تغيير ما كان لا بد أن يحصل. 
ريان، الطفل المغربي الذي صار حكاية على كل لسان ستحكيها كل الأجيال القادمة عن ابن الخمسة أعوام الذي نام في البئر وخرج منه ملاكاً إلى السماء، صار أيقونة جديدة للطفولة في العالم ورمزاً لخطر يهدد الصغار نتيجة جهل أو عدم انتباه من الكبار. 
ريان سقط في بئر حفره والده، وما أكثر الآبار المحفورة بشكل عشوائي ومتروكة في أماكن متفرقة لا أسوار من حولها ولا غطاء يحمي المارة من الوقوع فيها، وطبيعي ألا يكون للبئر غطاء وإلا فما الفائدة من وجوده؟ حتى المثل الشعبي يقول «أنت تعرف البير (البئر) وغطاه» ويستخدمه من يريد القول «إنك تعرف عنا كل شيء وتعرف حقيقة أحوالنا وأننا لا نملك هذا الغطاء». وما رحيل ريان إلا شمعة تضيء على خطر يهدد الكثير من الأطفال وحتى الكبار في أي بلد. 
أوجعنا رحيله، وقد عشنا المأساة لحظة بلحظة، رافقناه بالدعاء والصلاة والقلق والترقب والكثير من الأمل، لكن الله شاء أن يكون ريان ملاكاً ورسالة استطاعت أن تصل سريعاً إلى كل الناس، وحصدت ردود أفعال تجاوزت حدود التعاطف وعبارات العزاء عبر السوشيال ميديا، فالكل اهتز وتحرك. ربما تلقف الصغار الرسالة بشكل خطأ، فهناك من خاف واستوعب الدرس، لكن هناك من حاول تقليد ريان مثل الطفل خالد ابن الستة أعوام ونصف العام، وهو من أصحاب الهمم (متلازمة داون) فقد أراد أن يمثل دور ريان فأسقط نفسه في بئر وبحضور شقيقته، ومات على الفور. 
في الإمارات سارعت بلدية مدينة الذيد إلى البحث عن الآبار المهجورة والعشوائية، بهدف ردمها وتسويتها، حرصاً على عدم وقوع أي إنسان بها، خصوصاً أن المدينة «تحتوي على المئات من الآبار في المزارع والعزب والبيوت الشعبية» كما يقول مدير بلديتها، وقد تسبب الجفاف في هجرها وتركها بلا أسوار أو علامات تحذير. 
في السعودية انطلق مشروع تحصين وردم الآبار المهجورة لتشمل خمسة آلاف بئر، وقد تم فعلياً ردم ٢٤٥٠ بئراً مهجورة منذ حادثة ريان في مناطق مختلفة؛ بينما تعمل السلطات في المغرب على حصر الآبار المهجورة بهدف ردمها..
منظمة «اليونيسف» اعتبرت ريان أيقونة جديدة للطفولة، لم نكن نتمنى أن يدفع حياته ثمناً ليصير رمزاً ودرساً، لكن طالما حصل ما حصل فليتحرك الجميع من أجل حماية كل الأطفال من كل خطر والذي لا يكون مصدره دائماً «الغريب»، بل يأتي أحياناً من إهمال الوالدين مثل الأطفال الذين يقتلون عن طريق الخطأ بحوادث سيارات أو بالسقوط من شرفات المنازل ونوافذها.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"