تونس تحتاج إلى وقفة عربية

00:00 صباحا
قراءة 3 دقائق

لم تعش تونس منذ استقلالها في العام 1956، أزمة اقتصادية ومالية، مثلما يحدث الآن. فجلّ المؤشرات المالية تثبت حجم الخراب الاقتصادي الذي وقع في البلد نتيجة سنوات الخراب العشر خلال حكم جماعة الإخوان وغيرها من الفصائل السياسية التي تحالفت معها لإغراق البلد في مديونية مقيتة.
 لقد بات واضحاً أن منافذ التمويل الدولي باتت مغلقة أمام الحكومة التونسية، لأسباب متعددة، ولكن مشكلة تونس ليست في التمويل أو الهبات، بل في فرص الاستثمار الكبرى المتوفرة التي تحتاج إلى التفاتة من الدول العربية خصوصاً. لقد دأبت حكومات ما بعد 2011 في تونس على تبديد مساعدات دولية ضخمة دون أي أثر لها في الواقع، ما جعل الرئيس قيس سعيّد يتحدث عن ضرورة تدقيق الديون والهبات التي حصلت عليها تونس منذ ذلك التاريخ لمعرفة أين تم تبديد تلك الأموال التي جعلت حجم الدين العمومي للدولة التونسية يرتفع إلى 120 مليار دينار أي ما يعادل نحو 50 مليار دولار، وهو أمر لم يسبق أن حدث طول سنوات الاستقلال التي تناهز السبعين سنة.
 وإذ تكافح الحكومة التونسية في هذه المرحلة الدقيقة من أجل ضمان الموارد الداخلية لتسيير نفقات الدولة ومن أهمها صرف أجور الموظفين بعد الاضطراب الحاصل في الأشهر الأخيرة، فإنّ المطلوب من الدول العربية التي سبق أن اتفقت مع الدولة التونسية على جملة من المشاريع الاستثمارية الكبرى أن تبادر إلى إحياء تلك المشاريع وأن تعمل على ضمان عدم توقفه مجدداً بما يسمح بشراكات فعلية قوية ودائمة. صحيح أن كثيراً من الدول العربية تحفظت على حكم الإخوان في تونس ولم تبادر إلى مساعدتها، ولكن الإخوان رحلوا الآن، وحتى لا تسقط في جبّهم من جديد، تحتاج تونس إلى هذه المساعدات العاجلة، وربما بقرارات سياسية «فورية» من الدول العربية الشريكة، لدعم مسار الخامس والعشرين من يوليو.
 في البنية التحتية من طرقات وجسور وسكك حديدية ومطارات وموانئ في المياه العميقة، فرص استثمارية ضخمة، كانت تونس قد طرحتها أمام المستثمرين في قمة 2020، ولكن الظروف السياسية الداخلية التونسية لم تسمح للشركاء بالرغم من توقيع عقود الاستثمار، بتحويل تلك المشاريع إلى استثمارات على أرض الواقع. دون أن ننسى قدرات تونس الضخمة للاستثمار في قطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية لقطاع صناعة السيارات وحتى الطائرات. وكذلك السياحة والاختصاصات الطبية. وتونس تتوافر على كل المحفزات التي تجعل المستثمرين العرب قادرين على الاستثمار وعلى تحقيق الأرباح التشغيلية الكبرى.
 إنّ هبة عربية في هذا الوقت العصيب نحو تونس هي المنقذ الأهم بالنسبة للشعب التونسي الذي يمتلك مهارات ضخمة وكفاءات مدربة مهنياً هي من الأفضل عربياً. ولكن رغم كل هذه الفرص والإمكانات الهائلة، التي يمكن أن تغيّر وجه هذا البلد المغاربي، إلاّ أنّه، والحقيقة تقال لا يجد دعماً عربياً واسعاً لإنقاذه من الانهيار الشامل. هناك دولة عربية دعمت طرفاً سياسياً تونسياً بعد 2011، وحصلت في المقابل على امتيازات تمكنت من خلالها من الاستحواذ على مؤسسات خاصة تونسية، ولكن هذه التجربة لم تنفع التونسيين في شيء، بل إنّها زادت الطين بلّة.
 المأمول الآن هو التفاتة عربية صميمة، للاستثمار في تونس ولا شيء غير ذلك، لأنّ الاستثمار سيكون ذا منفعة مشتركة، وسيكون له تأثير واضح على مستوى تقارب الشعوب العربية. تونس تغرق، حسب المؤشرات المالية والاقتصادية، ونادي باريس، الغول الذي أغرق الدولة التونسية  مهد للحماية الفرنسية في سنة 1881، يطل برأسه الآن، وممثلوه زاروا تونس في الآونة الأخيرة، وهم يسعون إلى فرض شروط الإجهاز على هذه الدولة، ويبقى الأمل على الأشقاء العرب لإنقاذ تونس من براثن هذه الوحوش القادمة من الشمال. أنقذوا تونس، واستثمروا فيها، فذلك حبل النجاة الأخير.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"